إلى كل ألبتة، ولا يجوز رجوعه إلى الله تعالى لفساد المعنى، وأخرج ابن جرير وابن أبي داود في " المصاحف " عن منصور قال: نحن نقرأ - ولكل جعلنا قبلة يرضونها -.
* (فاستبقوا الخيرات) * جمع خيرة بالتخفيف وهي الفاضلة من كل شيء، والتأنيث باعتبار الخصلة، واللام للاستغراق فيعم المحلى أمر القبلة وغيره، والخطاب للمؤمنين، والاستباق متعد كما في " التاج "، وقيل: لازم، و (إلى) بعده مقدرة أي إذا كان كذلك فبادروا أيها المؤمنون ما به يحصل السعادة في الدارين من استقبال القبلة وغيره ولا تنازعوا من خالفكم إذ لا سبيل إلى الاجتماع على قبلة واحدة لجرى العادة على تولية كل قوم قبلة يستقبلها، وفي أمر المؤمنين بطلب التسابق فيما بينهم كما قال السعد: دلالة على طلب سبق غيرهم بطريق الأولى، وقيل: الاقتصار على سبق بعضهم إشارة إلى أن غيرهم ليس في طريق الخير حتى يتصور أمر أحد بالسبق إلى الخير عليه، ويجوز أن تكون (اللام) للعهد فالمراد بالخيرات الفاضلات من الجهات التي تسامت الكعبة، وفيه إشارة إلى أن الصلاة إلى عين الكعبة أكثر ثوابا من الصلاة التي جهتها، وقيل: يحتمل أن يراد بها الصلوات الفاضلات، والمراد - بالاستباق - السرعة فيها والقيام بها في أول أوقاتها، وفيه بعد، وأبعد منه ما قيل: إن المعنى - فاستبقوا قبلتكم - وعبر عنها بالخيرات إشارة إلى اشتمالها على كل خير.
واستدل الشافعية بالآية على أن الصلاة في أول الوقت بعد تحققه أفضل وهي مسألة فرغ منها في الفروع، ولبعض العارفين في الآية وجه آخر وهو أنه تعالى جعل الناس في أمور دنياهم وأخراهم على أحوال متفاوتة، فجعل بعضهم أعوان بعض فواحد يزرع وآخر يطحن وآخر يخبز، وكذلك في أمر الدين، واحد يجمع الحديث وآخر يحصل الفقه وآخر يطلب الأصول، وهم في الظاهر مختارون، وفي الباطن مسخرون، وإليه الإشارة بقوله صلى الله عليه وسلم: " كل ميسر لما خلق له " ولهذا قال بعض الصالحين لما سئل عن تفاوت الناس في أفعالهم: كل ذلك طرق إلى الله تعالى أراد أن يعمرها بعباده ومن تحرى وجه الله تعالى في كل طريق يسلكه وصل إليه لكن ينبغي تحري الأحسن من تلك الطرق إذ المراتب متفاوتة والشؤون مختلفة ومظاهر الأسماء شتى، وقيل: المراد بها أن لكل أحد قبلة فقبلة المقربين العرش. والروحانيين الكرسي والكروبين البيت المعمور. والأنبياء قبلك بيت المقدس وقبلتك الكعبة، وهي قبلة جسدك، وأما قبلة روحك فأنا، وقبلتي أنت كما يشير إليه " أنا عند المنكسرة قلوبهم من أجلي ".
* (أين ما تكونوا يأت بكم الله جميعا) * (أين) ظرف مكان تضمن معنى الشرط، و * (ما) * مزيدة، و * (يأت) * جوابها والمعنى في أي موضع تكونوا من المواضع الموافقة لطبعكم كالأرض أو المخالفة كالسماء أو المجتمعة الأجزاء كالصخرة أو المتفرقة التي يختلط بها ما فيها كالرمل يحشركم الله تعالى إليه لجزاء أعمالكم إن خيرا فخير وإن شرا فشر، والجملة معللة لما قبلها، وفيها حث على الاستباق بالترغيب والترهيب وهي على حد قوله تعالى: * (يا بني إنها إن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السماوات أو في الأرض يأت بها الله) * (لقمان: 16) أو في أي موضع تكونوا من أعماق الأرض وقلل الجبال يقبض الله تعالى أرواحكم إليه فهي على حد قوله تعالى: * (أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة) * (النساء: 78) ففيها حث على الاستباق باغتنام الفرصة فإن الموت لا يختص بمكان دون مكان، أو أينما تكونوا من الجهات المتقابلات يمنة ويسرة وشرقا وغربا يجعل الله تعالى صلاتكم مع اختلاف جهاتها في حكم صلاة متحدة الجهة كأنها إلى عين الكعبة أو في المسجد الحرام - فيأت بكم - مجاز عن جعل الصلاة متحدة الجهة وفائدة الجملة المعللة حينئذ بيان حكم الأمر بالاستباق، ومنهم من قال: الخطاب