تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢ - الصفحة ١١٢
وتناشدوا الأشعار فأنشد سعد ما فيه هجاء الأنصار وفخر لقومه فأخذ رجل من الأنصار لحي البعير فضرب به رأس سعد فشجه موضحة فانطلق سعد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وشكا إليه الأنصار فقال: اللهم بين لنا رأيك في الخمر بيانا شافيا فأنزل الله تعالى: * (إنما الخمر والميسر) * إلى قوله تعالى: * (فهل أنتم منتهون) * (المائدة: 90، 91) وذلك بعد غزوة الأحزاب بأيام فقال عمر رضي الله تعالى عنه: انتهينا يا رب. وعن علي كرم الله تعالى وجهه لو وقعت قطرة منها في بئر فبنيت في مكانها منارة لم أؤذن عليها ولو وقعت في بحر ثم جف فنبت فيه الكلأ لم أرعه دابتي. وعن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما لو أدخلت أصبعي فيها لم تتبعني - وهذا هو الإيمان والتقى حقا -.
والخمر عند الإمام أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه التي من ماء العنب إذا غلى واشتد وقذف بالزبد وسميت بذلك لأنها تخمر العقل أي تستره ومنه خمار المرأة لستره وجهها، والخامر وهو من يكتم الشهادة، وقيل: لأنها تغطي حتى تشتد، ومنه " خمروا آنيتكم " أي غطوها، وقيل: لأنها تخالط العقل وخامره داء خالطه؛ وقيل: لأنها تترك حتى تدرك، ومنه اختمر العجين أي بلغ إدراكه وهي أقوال متقاربة، وعليها فالخمر مصدر يراد به اسم الفاعل أو المفعول ويجوز أن يبقى على مصدريته للمبالغة، وذهب الإمامان إلى عدم اشتراط القذف ويكفي الاشتداد لأن المعنى المحرم يحصل به، وللإمام أن الغليان بداية الشدة وكمالها بقذف الزبد وسكونه إذ به يتميز الصافي من الكدر وأحكام الشرع قطعية فتناط بالنهاية كالحد وإكفار المستحل وحرمة البيع، وأخذ بعضهم بقولهما في حرمة الشرب احتياطا، ثم إطلاق الخمر على غير ما ذكر مجاز عندنا وهو المعروف عند أهل اللغة، ومن الناس من قال هو حقيقة في كل مسكر لما أخرج الشيخان وأبو داود والترمذي والنسائي: " كل مسكر خمر ". وأخرج أبو داود نزل تحريم الخمر يوم نزل وهو من خمسة من العنب والتمر والحنطة والشعير والذرة، والخمر ما خامر العقل، وأخرج مسلم عن أبي هريرة " الخمر من هاتين الشجرتين، - وأشار إلى الكرم والنخلة " - وأخرج البخاري عن أنس " حرمت الخمر حين حرمت وما يتخذ من خمر الأعناب إلا قليل، وعامة خمرنا البسر والتمر " ويمكن أن يجاب أن المقصود من ذلك كله بيان الحكم، وتعليم أن ما أسكر حرام - كالخمر - وهو الذي يقتضيه منصب الإرشاد - لا تعليم اللغات العربية - سيما والمخاطبون في الغاية القصوى من معرفتها؛ وما يقال: إنه مشتق من مخامرة العقل، وهي موجودة في كل مسكر لا يقتضي العموم، ولا ينافي كون الاسم خاصا فيما تقدم فإن النجم مشتق من الظهور، ثم هو اسم خاص للنجم المعروف - لا لكل ما ظهر - وهذا كثير النظير، وتوسط بعضهم فقال: إن الخمر حقيقة في لغة العرب في التي من ماء العنب إذا صار مسكرا، وإذا استعمل في غيره كان مجازا إلا أن الشارع جعله حقيقة في كل مسكر شابه موضوعه اللغوي، فهو في ذلك حقيقة شرعية كالصلاة والصوم والزكاة في معانيها المعروفة شرعا، والخلاف قوي ولقوته ووقوع الإجماع على تسمية المتخذ من العنب خمرا دون المسكر من غيره أكفروا مستحل الأول، ولم يكفروا مستحل الثاني بل قالوا: إن عين الأول حرام غير معلول بالسكر ولا موقوف عليه، ومن أنكر حرمة العين وقال: إن السكر منه حرام لأنه به يحصل الفساد فقد كفر لجحوده الكتاب إذ سماه رجسا فيه والرجس محرم العين فيحرم كثيره وإن لم يسكر - وكذا قليله ولو قطرة - ويحد شاربه مطلقا، وفي الخبر " حرمت الخمر لعينها " وفي رواية " بعينها قليلها وكثيرها سواء " والسكر من كل شراب، وقالوا: إن الطبخ لا يؤثر لأنه للمنع من ثبوت الحرمة - لا لرفعها بعد ثبوتها - إلا أنه لا يحد فيه ما لم يسكر منه بناءا على أن الحد
(١١٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 107 108 109 110 111 112 113 114 115 116 117 ... » »»