يجلجلها ويدخل يده فيخرج باسم رجل رجل قدحا منها، فمن خرج له قدح من ذوات الأنصباء أخذ النصيب الموسوم به ذلك القدح، ومن خرج له قدح مما لا نصيب له لم يأخذ شيئا وغرم ثمن الجزور كله مع حرمانه، وكانوا يدفعون تلك الأنصباء إلى الفقراء ولا يأكلون منها، ويفتخرون بذلك ويذمون من لم يدخل فيه ويسمونه البرم. ونقل الأزهري كيفية أخرى لذلك ولم يذكر - الوغد - في الأسماء بل ذكر غيره، والذي اعتمده الزمخشري وكثيرون ما ذكرناه، وقد نظم بعضهم هذه الأسماء فقال: كل سهام الياسرين عشرة * فأودعوها صحفا منشره لها فروض ولها نصيب * الفذ والتوأم والرقيب والحلس يتلوهن ثم النافس * وبعده مسبلهن السادس ثم المعلى كاسمه المعلى * صاحبه في الياسرين الأعلى والوغد والسفيح والمنيح * غفل فما فيما يرى ربيح وفي حكم ذلك جميع أنواع القمار من النرد والشطرنج وغيرهما حتى أدخلوا فيه لعب الصبيان بالجوز والكعاب والقرعة في غير القسمة وجميع أنواع المخاطرة والرهان، وعن ابن سيرين - كل شيء فيه خطر فهو من الميسر - ومعنى الآية يسألونك عما في تعاطي هذين الأمرين، ودل على التقدير بقوله تعالى: * (قل فيهما) * إذ المراد في تعاطيهما بلا ريب * (إثم كبير) * من حيث إن تناولهما مؤد إلى ما يوجب - الإثم - وهو ترك المأمور، وفعل المحظور * (ومنافع للناس) * من اللذة والفرح وهضم الطعام وتصفية اللون وتقوية الباه وتشجيع الجبان وتسخية البخيل وإعانة الضعيف، وهي باقية قبل التحريم وبعده، وسلبها بعد التحريم مما لا يعقل ولا يدل عليه دليل، وخبر " ما جعل الله تعالى شفاء أمتي فيما حرم عليها " لا دليل فيه عند التحقيق كما لا يخفى.
* (وإثمهما أكبر من نفعهما) * أي المفاسد التي تنشأ منها أعظم من المنافع المتوقعة فيهما، فمن مفاسد الخمر إزالة العقل الذي هو أشرف صفات الإنسان، وإذا كانت عدوة للأشرف لزم أن تكون أخس الأمور لأن العقل إنما سمي عقلا لأنه يعقل - أي يمنع صاحبه عن القبائح التي يميل إليها بطبعه - فإذا شرب زال ذلك العقل المانع عن القبائح وتمكن إلفها - وهو الطبع - فارتكبها وأكثر منها، وربما كان ضحكة للصبيان حتى يرتد إليه عقله. ذكر ابن أبي الدنيا أنه مر بسكران وهو يبول بيده ويغسل به وجهه كهيأة المتوضىء ويقول: الحمد لله الذي جعل الإسلام نورا والماء طهورا. وعن العباس بن مرداس أنه قيل له في الجاهلية: ألا تشرب الخمر فإنها تزيد في حرارتك؟ فقال: ما أنا بآخذ جهلي بيدي فأدخله جوفي، ولا أرضى أن أصبح سيد قوم وأمسي سفيههم، ومنها صدها عن ذكر الله تعالى وعن الصلاة وإيقاعها العداوة والبغضاء غالبا. وربما يقع القتل بين الشاربين في مجلس الشرب، ومنها أن الإنسان إذا ألفها اشتد ميله إليها وكاد يستحيل مفارقته لها وتركه إياها، وربما أورثت فيه أمراضا كانت سببا لهلاكه، وقد ذكر الأطباء لها مضار بدنية كثيرة كما لا يخفى على من راجع " كتب الطب "، وبالجملة لو لم يكن فيها سوى إزالة العقل والخروج عن حد الاستقامة لكفي فإنه إذا اختل العقل حصلت الخبائث بأسرها، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: " اجتنبوا الخمر فإنها أم الخبائث " ولم يثبت أن الأنبياء عليهم السلام شربوها في وقت أصلا.
ومن مفاسد الميسر أن فيه أكل الأموال بالباطل وأنه يدعو كثيرا