تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢ - الصفحة ١١١
كانت جملة، و (أولئك) الخ تذييلا معطوفة على الجملة الشرطية، وأما لو كانت معطوفة على الجزاء وكان مجموع الإحباط والخلود في النار مرتبا على الموت على الردة فلا نسلم تماميته، ومن زعم ذلك اعترض على الإمام أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه بأن اللازم عليه حمل المطلق على المقيد عملا بالدليلين، وأجيب بأن حمل المطلق على المقيد مشروط عنده بكون الإطلاق والتقييد في الحكم واتحاد الحادثة وما هنا في السبب فلا يجوز الحمل لجواز أن يكون المطلق سببا كالمقيد، وثمرة الخلاف على ما قيل: تظهر فيمن صلى ثم ارتد ثم أسلم والوقت باق فإنه يلزمه عند الإمام قضاء الصلاة خلافا للشافعي وكذا الحج، واختلف الشافعيون فيمن رجع إلى الإسلام بعد الردة هل يرجع له عمله بثوابه أم لا؟ فذهب بعض إلى الأول: فيما عدا الصحبة فإنها ترجع مجردة عن الثواب، وذهب الجل إلى الثاني: وأن أعماله تعود بلا ثواب ولا فرق بين الصحبة وغيرها، ولعل ذلك هو المعتمد في المذهب فافهم.
* (إن الذين ءامنوا والذين هاجروا وج‍اهدوا في سبيل الله أول‍ائك يرجون رحمة الله والله غفور رحيم) * * (إن الذين ءامنوا) * أخرج ابن أبي حاتم والطبراني في " الكبير " من حديث جندب بن عبد الله أنها نزلت في السرية لما ظن بهم أنهم إن سلموا من الإثم فليس لهم أجر. * (والذين هاجروا) * أي فارقوا أوطانهم، وأصله من الهجر ضد الوصل. * (وج‍اهدوا في سبيل الله) * لإعلاء دينه وإنما كرر الموصول مع أن المراد بهما واحد لتفخيم شأن الهجرة والجهاد فكأنهما وإن كانا مشروطين بالإيمان في الواقع مستقلان في تحقق الرجاء، وقدم الهجرة على الجهاد لتقدمها عليه في الوقوع تقدم الإيمان عليهما.
* (أول‍ائك) * المنعوتون بالنعوت الجليلة * (يرجون رحمت الله) * أي يؤملون تعلق رحمته سبحانه بهم أو ثوابه على أعمالهم، ومنها تلك الغزاة في الشهر الحرام، واقتصر البعض عليها بناءا على ما رواه الزهري أنه لما فرج الله تعالى عن أهل تلك السرية ما كانوا فيه من غم طمعوا فيما عند الله تعالى من ثوابه فقالوا: يا نبي الله أنطمع أن تكون غزوة نعطي فيها أجر المهاجرين في سبيل الله تعالى فأنزل الله تعالى هذه الآية، ولا يخفى أن العموم أعم نفعا وأثبت لهم الرجاء دون الفوز بالمرجو للإشارة إلى أن العمل غير موجب إذ لا استحقاق به ولا يدل دلالة قطعية على تحقق الثواب إذ لا علاقة عقلية بينهما وإنما هو تفضل منه تعالى سيما والعبرة بالخواتيم فلعله يحدث بعد ذلك ما يوجب الحبوط ولقد وقع ذلك والعياذ بالله تعالى كثيرا فلا ينبغي الاتكال على العمل * (والله غفور رحيم) * تذييل لما تقدم وتأكيد له ولم يذكر المغفرة فيما تقدم لأن رجال الرحمة يدل عليها وقدم وصف المغفرة لأن درأ المفاسد مقدم على جلب المصالح.
* (يس‍الونك عن الخمر والميسر قل فيهمآ إثم كبير ومن‍افع للناس وإثمهمآ أكبر من نفعهما ويس‍الونك ماذا ينفقون قل العفو كذالك يبين الله لكم الآي‍ات لعلكم تتفكرون) * * (يسئلونك عن الخمر والميسر) * قال الواحدي: نزلت في عمر بن الخطاب ومعاذ بن جبل ونفر من الأنصار أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: أفتنا في الخمر والميسر فإنهما مذهبة للعقل ومسلبة للمال فأنزل الله تعالى هذه الآية وفي بعض الروايات " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة وهم يشربون الخمر ويأكلون الميسر فسألوه عن ذلك فأنزل الله تعالى هذه الآية فقال قوم: ما حرما علينا فكانوا يشربون الخمر إلى أن صنع عبد الرحمن بن عوف طعاما فدعا أناسا من الصحابة وأتاهم بخمر فشربوا وسكروا وحضرت صلاة المغرب فقدموا عليا كرم الله تعالى وجهه فقرأ * (قل يا أيها الكافرين) * الخ بحذف (لا) فأنزل الله تعالى: * (لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى) * (النساء: 43) فقل من يشربها ثم اتخذ عتبان بن مالك صنيعا ودعا رجالا من المسلمين فيهم سعد بن أبي وقاص وكان قد شوى لهم رأس بعير فأكلوا منه وشربوا الخمر حتى أخذت منهم ثم إنهم افتخروا عند ذلك
(١١١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 106 107 108 109 110 111 112 113 114 115 116 ... » »»