محذوفة، وقد سيق تعليلا للحكم السابق * (ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم) * عطف على * (يسئلونك) * بجامع الاتحاد في المسند إليه إن كان السائلون هم المشركون، أو معترضة إن كان السائلون غيرهم والمقصود الاخبار بدوام عداوة الكفار بطريق الكناية تحذيرا للمؤمنين عنهم وإيقاظا في بعض الأمور، و * (حتى) * للتعليل، والمعنى لا يزالون يعادونكم لكي يردوكم عن دينكم، وقوله تعالى: * (إن استطاعوا) * متعلق بما عنده، والتعبير بإن لاستبعاد استطاعتهم وأنها لا تجوز إلا على سبيل الفرض كما يفرض المحال، وفائدة التقييد بالشرط التنبيه على سخافة عقولهم وكون دوام عداوتهم فعلا عبثا لا يترتب عليه الغرض وليس متعلقا - بلا يزالون يقاتلونكم - إذ لا معنى لدوامهم على العداوة إن استطاعوها لكنها مستبعدة. وذهب ابن عطية إلى أن * (حتى) * للغاية والتقييد بالشرط حينئذ لإفادة أن الغاية مستبعدة الوقوع والتقييد بالغاية الممتنع وقوعها شائع كما في قوله تعالى: * (حتى يلج الجمل في سم الخياط) * (الأعراف: 40) وفيه أن استبعاد وقوع الغاية مما يترتب عليه عدم انقطاع العداوة وقد أفاده صدر الكلام، والقول بالتأكيد غير أكيد، نعم يمكن الحمل على الغاية لو أريد من المقاتلة معناها الحقيقي ويكون الشرط متعلقا - بلا يزالون - فيفيد التقييد أن تركهم المقاتلة في بعض الأوقات لعدم استطاعتهم إلا أن المعنى حينئذ يكون مبتذلا كما لا يخفى * (ومن يرتدد منكم عن دينه) * الحق باضلالهم وإغوائهم، أو الخوف من عداوتهم * (فيمت وهو كافر) * بأن لم يرجع إلى الإسلام * (فأولائك) * إشارة إلى الموصول باعتبار اتصافه بما في حيز الصلة من الارتداد والموت على الكفر وما فيه من البعد للإشعار ببعد منزلة من يفعل ذلك في الشر والفساد والجمع والإفراد نظرا للفظ والمعنى. * (حبطت أعمالهم) * أي صارت أعمالهم الحسنة التي عملوها في حالة الإسلام فاسدة بمنزلة ما لم تكن، قيل: وأصل الحبط فساد يلحق الماشية لأكل الحباط وهو ضرب من الكلأ مضر، وفي " النهاية " " أحبط الله تعالى عمله أبطله يقال: حبط عمله وأحبطه غيره وهو من قولهم: حبطت الدابة حبطا بالتحريك إذا أصابت مرعى طيبا فأفرطت في الأكل حتى تنتفخ فتموت "، وقرىء (حبطت) بالفتح وهو لغة فيه.
* (في الدنيا والآخرة) * لبطلان ما تحيلوه وفوات ما للإسلام من الفوائد في الأولى وسقوط الثواب في الأخرى * (وأولائك أصحابالنار هم فيها خالدون) *. كسائر الكفرة ولا يغني عنهم إيمانهم السابق على الردة شيئا، واستدل الشافعي بالآية على أن الردة لا تحبط الأعمال حتى يموت عليها وذلك بناءا على أنها لو أحبطت مطلقا لما كان للتقييد بقوله سبحانه: * (فيمت وهو كافر) * فائدة والقول بأنه فائدته أن إحباط جميع الأعمال حتى لا يكون له عمل أصلا موقوف على الموت على الكفر حتى لو مات مؤمنا لا يحبط إيمانه ولا عمل يقارنه وذلك لا ينافي إحباط الأعمال السابقة على الارتداد بمجرد الارتداد مما لا معنى له لأن المراد من الأعمال في الآية الأعمال السابقة على الارتداد إذ لا معنى لحبوط ما لم يفعل فحينئذ لا يتأتى هذا القول كما لا يخفى، وقيل: بناءا على أنه جعل الموت عليها شرطا في الإحباط وعند انتفاء الشرط ينتفي المشروط، واعترض بأن الشرط النحوي والتعليقي ليس بهذا المعنى بل غايته السببية والملزومية وانتفاء السبب أو الملزوم لا يوجب انتفاء المسبب أو اللازم لجواز تعدد الأسباب ولو كان شرطا بهذا المعنى لم يتصور اختلاف القول بمفهوم الشرط، وذهب إمامنا أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه إلى أن مجرد الارتداد يوجب الإحباط لقوله تعالى: * (ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله) * (المائدة: 5) وما استدل به الشافعي ليس صريحا في المقصود لأنه إنما يتم إذا