ابن أبي حاتم عن سفيان الثوري أنه سئل عن هذه الآية فقال: هذا شيء منسوخ ولا بأس بالقتال في الشهر الحرام، وخالف عطاء في ذلك فقد روي عنه أنه سئل عن القتال في الشهر الحرام فحلف بالله تعالى ما يحل للناس أن يغزوا في الحرم ولا في الشهر الحرام إلا أن يقاتلوا فيه وجعل ذلك حكما مستمرا إلى يوم القيامة والأمة اليوم على خلافه في سائر الأمصار * (وصد) * أي منع وصرف * (عن سبيل الله) * وهو الإسلام قاله مقاتل، أو الحج قاله ابن عباس والسدي، أو الهجرة كما قيل، أو سائر ما يوصل العبد إلى الله تعالى من الطاعات، فالإضافة إما للعهد أو للجنس * (وكفر به) * أي بالله أو بسبيله * (والمسجد الحرام) * اختار أبو حيان عطفه على الضمير المجرور وإن لم يعد الجار، وأجاز ذلك الكوفيون، ويونس، والأخفش، وأبو علي وهو شائع في لسان العرب نظما ونثرا، واعترض بأنه لا معنى للكفر بالمسجد الحرام وهو لازم من العطف، وفيه بحث إذ الكفر قد ينسب إلى الأعيان باعتبار الحكم المتعلق بها كقوله تعالى: * (فمن يكفر بالطاغوت) * (البقرة: 256) واختار القاضي تقدير مضاف معطوف على * (صد) * أي وصد المسجد الحرام عن الطائفين والعاكفين والركع السجود، واعترض بأن حذف المضاف وإبقاء المضاف إليه بحاله مقصور على السماع ورد بمنع الإطلاق ففي " التسهيل " إذا كان المضاف إليه إثر عاطف متصل به أو مفصول بلا مسبوق بمضاف مثل المحذوف لفظا ومعنى جاز حذف المضاف وإبقاء المضاف إليه على انجراره قياسا نحو ما مثل زيد وأبيه يقولان ذلك - أي مثل أبيه - ونحو ما كل سوداء تمرة ولا بيضاء شحمة، وإذا انتفى واحد من الشروط كان مقصورا على السماع، وفيما نحن فيه سبق إضافة مثل ماحذف منه، واختار الزمخشري عطفه على * (سبيل الله) * تعالى، واعترض بأن عطف * (وكفر به) * على * (وصد) * مانع من ذلك إذ لا يقدم العطف على الموصول على العطف على الصلة، وذكر لصحة ذلك وجهان، أحدهما أن * (وكفر به) * في معنى الصد عن سبيل الله فالعطف على سبيل التفسير كأنه قيل - وصد عن سبيل الله أعني كفرا به والمسجد الحرام - والفاصل ليس بأجنبي، ثانيهما: أن موضع * (وكفر به) * عقيب * (والمسجد الحرام) * إلا أنه قدم لفرط العناية كما في قوله تعالى: * (ولم يكن له كفوا أحد) * (الإخلاص: 4) حيث كان من حق الكلام ولم يكن أحد كفوا له، ولا يخفى أن الوجه الأول أولى لأن التقديم لا يزيل محذور الفصل ويزيد محذورا آخر، واختار السجاوندي العطف على - الشهر الحرام - وضعف بأن القوم لم يسألوا عن المسجد الحرام واختار أبو البقاء كونه متعلقا بفعل محذوف دل عليه الصد - أي ويصدون عن المسجد الحرام - كما قال سبحانه: * (هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام) * (الفتح: 25) وضعف بأن حذف حرف الجر وبقاء عمله مما لا يكاد يوجد إلا في الشعر، وقيل: إن الواو للقسم وقعت في أثناء الكلام وهو كما ترى * (وأخراج أهله منه) * وهم النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنون وإنما كانوا أهله لأنهم القائمون بحقوقه، وقيل: إن ذلك باعتبار أنهم يصيرون أهله في المستقبل بعد فتح مكة * (أكبر عند الله) * خبر للأشياء المعدودة من كبائر قريش، وأفعل من يستوي فيه الواحد والجمع المذكور والمؤنث. والمفضل عليه محذوف أي مما فعلته السرية خطأ في الاجتهاد، ووجود أصل الفعل في ذلك الفعل مبني على الزعم * (والفتنة أكبر من القتل) * تذييل لما تقدم للتأكيد عطف عليه عطف الحكم الكلي على الجزئي أي ما يفتن به المسلمون ويعذبون به ليكفروا أكبر عند الله من القتل وما ذكر سابقا داخل فيه دخولا أوليا، وقيل: المراد بالفتنة الكفر، والكلام كبرى لصغرى
(١٠٩)