تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢ - الصفحة ١٢٣
الدلالة من الاقتضاء فيه بحث لأن - الفاء - الداخلة على الجملة التي لا تصلح أن تكون شرطا كالجملة الإنشائية لمجرد الربط كما نص عليه ابن هشام في " المغني " ومثل له بقوله تعالى: * (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني) * (آل عمران: 31) ولو سلم فاللازم تأخر جواز الاتيان عن الغسل في الجملة لا مطلقا حتى يكون قرينة على أن المراد بقراءة التخفيف أيضا الغسل وأن القول بأن إحدى الغايتين داخلة في الحكم والأخرى خارجة خلاف المتبادر احتاجوا للجمع بجعل كل منهما آية مستقلة فحملوا الأولى على الانقطاع بأكثر المدة، والثانية لتمام العادة التي ليست أكثر مدة الحيض كما حمل إبراهيم النخعي قراءة النصب والجر في * (أرجلكم) * (المائدة: 6) على حالة التخفيف وعدمه وهو المناسب لأن في توقف قربانها في الانقطاع للأكثر على الغسل إنزالها حائضا حكما وهو مناف لحكم الشرع لوجوب الصلاة عليها المستلزم لإنزاله إياها طاهرا حكما بخلاف تمام العدة فإن الشرع لم يقطع عليها بالطهر بل يجوز الحيض بعده، ولذا لو زادت ولم يجاوز العشرة كان الكل حيضا بالاتفاق بقي أن مقتضى الثانية ثبوت الحرمة قبل الغسل فرفع الحرمة قبله بمضي أول وقت الصلاة أعني أدناه الواقع آخرا، واعتبار الغسل حكما على ما قالوا معارضة النص بالمعنى، والجواب أن القراءة الثانية خص منها صورة الانقطاع للعشرة بقراءة التخفيف فجاز أن يخص ثانيا بالمعنى كما قاله بعض المحققين ولا يخفى ما في مذهب الإمام من التيسير، والاحتياط لا يخفى، وحكي عن الأوزاعي أن حل الاتيان موقوف على التطهر وفسره بغسل موضع الحيض وقد يقال لتنقية المحل تطهير، فقد أخرج البخاري ومسلم والنسائي عن عائشة رضي الله تعالى عنها: " أن امرأة سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن غسلها من المحيض فأمرها قبل أن تغتسل قالت: خذي فرصة من مسك فتطهري بها قال: كيف أتطهر بها؟ قال: تطهري بها قالت: كيف؟ قال: سبحان الله تطهري بهافاجتذبتها فقلت: تتبعي بها أثر الدم " وذهب طاوس ومجاهد في رواية عنه أن غسل الموضع مع الوضوء كاف في حل الاتيان - وإليه ذهب الإمامية - ولا يخفى أنه ليس شيء من ذلك طهارة كاملة للنساء وإنما هي طهارة كاملة لاعضائهن وهو خلاف المتبادر في الآية وإنما المتبادر هو الأول وما في الحديث وإن كان أمرا بالتطهر لتلك المرأة لكن المراد بذلك المبالغة في تطهير الموضع إلا أنه لأمر ما لم يصرح به صلى الله عليه وسلم وإطلاق التطهير على تنقية المحل مما لا ننكره وإنما ننكر إطلاق (يطهرن) على من طهرن مواضع حيضهن ودون إثباته حيض الرجال. واستدل بالآية على أنه لا يحرم الاستمتاع بالحائض بما بين السرة والركبة وإنما يحرم الوطء، وسئلت عائشة رضي الله تعالى عنها فيما أخرجه ابن جرير ما يحل للرجل من امرأته إذا كانت حائضا؟ قالت: كل شيء إلا الجماع؛ وذهب جماعة إلى حرمة الاستمتاع بما بين السرة والركبة استدلالا بما أخرجه مالك عن زيد بن أسلم " أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ماذا يحل لي من امرأتي وهي حائض؟ فقال له صلى الله عليه وسلم: لتشد عليها إزارها ثم شأنك بأعلاها " وكأنه من باب سد الذرائع في الجملة، ولهذا ورد فيما أخرجه الإمام أحمد، والتعفف عن ذلك أفضل والأمر في الآية للإباحة على حد * (إذا حللتم فاصطادوا) * (المائدة: 2) ففيها إباحة الاتيان لكنه مقيد بقوله سبحانه:
* (من حيث أمركم الله) * أي من المكان الذي أمركم الله تعالى بتجنبه لعارض الأذى وهو الفرج ولا تعدوا غيره قاله ابن عباس ومجاهد وقتادة والربيع وقال الزجاج: معناه من الجهات التي يحل فيها أن تقرب المرأة ولا تقربوهن من حيث لا يحل كما إذا كن صائمات أو محرمات أو معتكفات وأيد بأنه لو أراد الفرج لكانت
(١٢٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 118 119 120 121 122 123 124 125 126 127 128 ... » »»