تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢ - الصفحة ١٠١
أنه كان بينهما عشرة قرون على شريعة من الحق، أو بعد الطوفان إذ لم يبق بعده سوى ثمانين رجلا وامرأة ثم ماتوا إلا نوحا وبنيه حام وسام ويافث وأزواجهم وكانوا كلهم على دين نوح عليه الصلاة والسلام فالاستغراق على الأول والأخير حقيقي، وعلى الثاني والثالث ادعائي بجعل القليل في حكم العدم، وقيل: متفقين على الجهالة والكفر بناءا على ما أخرجه ابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنهم كانوا كفارا وذلك بعد رفع إدريس عليه الصلاة والسلام إلى أن بعث نوح، أو بعد موت نوح عليه الصلاة والسلام إلى أن بعث هود عليه الصلاة والسلام.
* (فبعث الله النبيين) * أي فاختلفوا فبعث الخ وهي قراءة ابن مسعود رضي الله تعالى عنه، وإنما حذف تعويلا على ما يذكر عقبه. * (مبشرين) * من آمن بالثواب. * (ومنذرين) * من كفر بالعذاب وهم كثيرون، فقد أخرج أحمد وابن حبان عن أبي ذر أنه سئل النبي صلى الله عليه وسلم كم الأنبياء؟ قال: " مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا قلت: يا رسول الله كم الرسل؟ قال: ثلثمائة وثلاثة عشر جم غفير " ولا يعارض هذا قوله تعالى * (ورسلا قد قصصناهم عليك) * (النساء: 164) الآية لما سيأتي إن شاء الله تعالى، والجمعان منصوبان على الحال من (النبيين)، والظاهر أنها حال مقدرة، والقول بأنها حال مقارنة خلاف الظاهر.
* (وأنزل معهم الكت‍اب) * اللام للجنس ومعهم حال مقدرة من الكتاب فيتعلق بمحذوف، وليس منصوبا بأنزل والمعنى أنزل جنس الكتاب مقدرا مقارنته ومصاحبته للنبيين حيث كان كل واحد منهم يأخذ الأحكام إما من كتاب يخصه أو من كتاب من قبله، والكتب المنزلة مائة وأربعة في المشهور أنزل على آدم عشر صحائف وعلى شيث ثلاثون، وعلى إدريس خمسون، وعلى موسى قبل التوراة عشر، والتوراة والإنجيل، والزبور والفرقان، وجوز كون اللام للعهد وضمير معهم للنبيين باعتبار البعض أي أنزل مع كل واحد من بعض النبيين كتابه، ولا يخفى ما فيه من الركة * (بالحق) * متعلق ب * (أنزل) * أو حال من * (الكتاب) * أي متلبسا شاهدا به * (ليحكم بين الناس) * علة للإنزال المذكور أوله وللبعث، وهذا البعث المعلل هو المتأخر عن الاختلاف فلا يضر تقدم بعثة آدم وشيث، وإدريس عليهم الصلاة والسلام بناءا على بعض الوجوه السابقة والحكم بمعنى الفصل بقرينة تعلق بين به ولو كان بمعنى القضاء لتعدى بعلى؛ والضمير المستتر راجع إلى الله سبحانه ويؤيده قراءة الجحدري فيما رواه عنه مكي (لنحكم) بنون العظمة أو إلى النبي وأفرد الفعل لأن الحاكم كل واحد من النبيين، وجوز رجوعه إلى الكتاب والإسناد حينئذ مجازي باعتبار تضمنه ما به الفصل، وزعم بعضهم أنه الأظهر إذ لا بد في عوده إلى الله تعالى من تكلف في المعنى أي يظهر حكمه وإلى النبي من تكلف في اللفظ حيث لم يقل ليحكموا، ومما ذكرنا يعلم ما فيه من الضعف، والمراد من الناس المذكورون والإظهار في موضع الإضمار لزيادة التعيين.
* (فيما اختلفوا فيه) * أي في الحق الذي اختلفوا فيه بناءا على أن وحدة الأمة بالاتفاق على الحق وإذا فسرت الوحدة بالاتفاق على الجهالة والكفر يكون الاختلاف مجازا عن الالتباس والاشتباه اللازم له والمعنى فيما التبس عليهم * (وما اختلف فيه) * أي في الحق بأن أنكروه وعاندوه أو في الكتاب المنزل متلبسا به بأن حرفوه وأولوه بتأويلات زائغة والواو حالية. * (إلا الذين أوتوه) * أي الكتاب المنزل لإزالة الاختلاف وإزاحة الشقاق أي عكسوا الأمر حيث جعلوا ما أنزل مزيحا للاختلاف سببا لرسوخه واستحكامه، وبهذا يندفع السؤال بأنه
(١٠١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 96 97 98 99 100 101 102 103 104 105 106 ... » »»