بالقليل النيء خاصة - وهذا قد طبخ - وأما غير ذلك فالعصير إذا طبخ حتى يذهب أقل من ثلثيه وهو المطبوخ أدنى طبخة - ويسمى الباذق - والمنصف وهو ما ذهب نصفه بالطبخ فحرام عندنا إذا غلى واشتد وقذف بالزبد أو إذا اشتد على الاختلاف، وقال الأوزاعي وأكثر المعتزلة: إنه مباح لأنه مشروب طيب - وليس بخمر - ولنا أنه رقيق ملد مطرب، ولذا يجتمع عليه الفساق فيحرم شربه رفعا للفساد المتعلق به، وأما نقيع التمر وهو السكر - وهو النيء من ماء التمر - فحرام مكروه، وقال شريك: إنه مباح للامتنان ولا يكون بالمحرم، ويرده إجماع الصحابة، والآية محمولة على الابتداء كما أجمع عليه المفسرون، وقيل: أراد بها التوبيخ أي: (أتتخذون منه سكرا وتدعون رزقا حسنا) وأما نقيع الزبيب - وهو النيء من ماء الزبيب - فحرام إذا اشتد وغلى، وفيه خلاف الأوزاعي، ونبيذ الزبيب والتمر إذا طبخ كل واحد منهما أدنى طبخة حلال، وإن اشتد إذا شرب منه ما يغلب على ظنه أنه لا يسكر من غير لهو ولا طرب عند أبي حنيفة وأبي يوسف، وعند محمد والشافعي حرام، ونبيذ العسل والتين والحنطة والذرة والشعير وعصير العنب إذا طبخ وذهب ثلثاه حلال عند الإمام الأول والثاني، وعند محمد والشافعي حرام أيضا، وأفتى المتأخرون بقول محمد في سائر الأشربة، وذكر ابن وهبان أنه مروي عن الكل ونظم ذلك فقال:
وفي عصرنا فاختير حد وأوقعوا * طلاقا لمن من مسكر الحب يسكر وعن كلهم يروى وأفتى محمد * بتحريم ما قد - قل - وهو المحرر وعندي أن الحق الذي لا ينبغي العدول عنه أن الشراب المتخذ مما عدا العنب كيف كان وبأي اسم سمي متى كان بحيث يسكر من لم يتعوده حرام - وقليله ككثيره - ويحد شاربه ويقع طلاقه ونجاسته غليظة.
وفي الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم سئل عن النقيع - وهو نبيذ العسل - فقال: " كل شراب أسكر فهو حرام " وروى أبو داود " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل مسكر ومفتر " وصح " ما أسكر كثيره فقليله حرام " وفي حديث آخر: " ما أسكر الفرق منه فملء الكف منه حرام " والأحاديث متظافرة على ذلك، ولعمري إن اجتماع الفساق في زماننا على شرب المسكرات مما عدا الخمر ورغبتهم فيها فوق اجتماعهم على شرب الخمر ورغبتهم فيه بكثير، وقد وضعوا لها أسماء - كالعنبرية والإكسير - ونحوهما ظنا منهم أن هذه الأسماء تخرجها من الحرمة وتبيح شربها للأمة - وهيهات هيهات - الأمر وراء ما يظنون، فإنا لله وإنا إليه راجعون، نعم حرمة هذه الأشربة دون حرمة الخمر حتى لا يكفر مستحلها كما قدمنا لأنها اجتهادية، ولو ذهب ذاهب إلى القول بالتكفير لم يبق في يده من الناس اليوم إلا قليل.
والميسر مصدر ميمي من - يسر - كالموعد والمرجع يقال: يسرته إذا قمرته واشتقاقه إما من - اليسر - لأنه أخذ المال بيسر وسهولة، أو من - اليسار - لأنه سلب له، وقيل: من يسروا الشيء إذا اقتسموه، وسمي المقامر - ياسرا - لأنه بسبب ذلك الفعل يجزىء لحم الجزور، وقال الواحدي: من يسر الشيء إذا وجب، والياسر الواجب بسبب القدح، وصفته أنه كانت لهم عشرة أقداح هي: الأزلام والأقلام الفذ والتوأم والرقيب والحلس والنافس والمسبل والمعلى. والمنيح والسفيح والوغد لكل واحد منها نصيب معلوم من جزور ينحرونها ويجزءونها ثمانية وعشرين إلا الثلاثة وهو المنيح والسفيح والوغد، للفذ سهم، وللتوأم سهمان، وللرقيب ثلاثة، وللحلس أربعة، وللنافس خمسة، وللمسبل ستة وللمعلى سبعة يجعلونها في الربابة - وهي خريطة - ويضعونها على يدي عدل ثم