تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢ - الصفحة ١٠٤
* (مثل الذين خلوا من قبلكم) * أي مثل مثلهم وحالهم العجيبة، فالكلام على حذف مضاف، و (الذين) صفة لمحذوف أي المؤمنين، * (ومن قبلكم) * متعلق ب * (خلوا) * وهو كالتأكيد لما يفهم منه. * (مستهم البأساء والضراء) * بيان - للمثل - على الاستئناف سواء قدر كيف ذلك المثل أو لا، وجوز أبو البقاء كونها حالية بتقدير قد * (وزلزلوا) * أي أزعجوا إزعاجا شديدا بأنواع البلاء. * (حتى يقول الرسول والذين ءامنوا معه) * أي انتهى أمرهم من البلاء إلى حيث اضطروا إلى أن يقول الرسول وهو أعلم الناس بما يليق به تعالى، وما تقتضيه حكمته، والمؤمنون المقتدون بآثاره، المهتدون بأنواره * (متى) * يأتي * (نصر الله) * طلبا وتمنيا له، واستطالة لمدة الشدة - لا شكا وارتيابا - والمراد من (الرسول) الجنس لا واحد بعينه، وقيل: هو اليسع، وقيل: شعياء، وقيل: أشعياء، وعلى التعيين يكون المراد من * (الذين خلوا) * قوما بأعيانهم - وهم أتباع هؤلاء الرسل - وقرأ نافع * (يقول) * بالرفع على أنها حكاية حال ماضية و * (معه) * يجوز أن يكون منصوبا ب * (يقول) * أي إنهم صاحبوه في هذا القول وأن يكون منصوبا ب * (آمنوا) * أي وافقوه في الإيمان * (ألا إن نصر الله قريب) * استئناف نحوي على تقدير القول أي فقيل لهم حينئذ ذلك تطييبا لأنفسهم بإسعافهم بمرامهم وإيثار الجملة الاسمية على الفعلية المناسبة لما قبلها وتصديرها بحرف التنبيه والتأكيد من الدلالة على تحقق مضمونها وتقريره ما لا يخفى، واختيار حكاية الوعد بالنصر لما أنها في حكم إنشاء الوعد للرسول والاقتصار على حكايتها دون حكاية النصر مع تحققه للإيذان بعدم الحاجة إلى ذلك لاستحالة الخلف، وقيل: لما كان السؤال - بمتى - يشير إلى استعلام القرب تضمن الجواب القرب واكتفى به ليكون الجواب طبق السؤال، وجوز أن يكون هذا واردا من جهته تعالى عند الحكاية على نهج الاعتراض لا واردا عند وقوع المحكي، والقول بأن هذه الجملة مقول الرسول * (ومتى نصر الله) * تعالى مقول من معه على طريق اللف والنشر الغير المرتب ليس بشيء، أما لفظا فلأنه لا يحسن تعاطف القائلين دون المقولين، وأما معنى للأنه لا يحسن ذكر قول الرسول * (ألا إن نصر الله قريب) * في الغاية التي قصد بها بيان تناهي الأمر في الشدة، والقول - بأن ترك العطف للتنبيه على أن كلا مقول لواحد منهما، واحتراز عن توهم كون المجموع مقول واحد وتنبيه على أن الرسول قال لهم في جوابهم وبأن منصب الرسالة يستدعي تنزيه الرسول عن التزلزل - لا ينبغي أن يلتفت إليه لأنه إذا ترك العطف لا يكون معطوفا على القول الأول فكيف التنبيه على كون كل مقولا لواحد منهما، ولا نأمن وراء منع كون منصب الرسالة يستدعي ذلك التنزيه وليس التزلزل والانزعاج أعظم من الخوف، وقد عرى الرسل صلوات الله تعالى وسلامه عليهم كما يصرح به كثير من الآيات، وفي الآية رمز إلى أن الوصول إلى الجناب الأقدس لا يتيسر إلا برفض اللذات ومكابدة المشاق كما ينبىء عنه خبر " حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات " وأخرج الحاكم وصححه عن أبي مالك قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله تعالى ليجرب أحدكم بالبلاء وهو أعلم به كما يجرب أحدكم ذهبه بالنار فمنهم من يخرج كالذهب الإبريز فذلك الذي نجاه الله تعالى من السيآت ومنهم من يخرج كالذهب الأسود فذلك الذي قد افتتن " ومن باب الإشارة في الآيات: * (ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا) * يدعي المحبة ويتكلم في دقائق الأسرار ويظهر خصائص الأحوال وهو في مقام النفس الأمارة
(١٠٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 99 100 101 102 103 104 105 106 107 108 109 ... » »»