الدر المنثور - جلال الدين السيوطي - ج ٢ - الصفحة ٣٤٥
يوم القيامة عند ربكم تختصمون وقال في آية أخرى لا تختصموا لدى فكيف يختصمون وقد قال لا تختصموا لدى وأخبرني عن قول الله اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم فكيف شهدوا وقد ختم على الأفواه فقال ابن عباس ثكلتك أمك يا ابن الأزرق للقيامة أحوالا وأهوالا وفظائع وزلازل فإذا تشققت السماوات وتناثرت النجوم وذهب ضوء الشمس والقمر وذهلت الأمهات عن الأولاد وقذفت الحوامل ما في البطون وسجرت البحار ودكدكت الجبال ولم يلتفت والد إلى ولد ولا ولد إلى والد وجئ بالجنة تلوح فيها قباب الدر والياقوت حتى تنصب على يمين العرش ثم جئ بجهنم تقاه بسبعين ألف زمام من حديد ممسك بكل زمام سبعون ألف ملك لها عينان زرقا ان تجر الشفة السفلى أربعين عاما تخطر كما يخطر الفحل لو تركت لأتت على كل مؤمن وكافر ثم يؤتى بها حتى تنصب عن يسار العرش فتستأذن ربها في السجود فيأذن لها فتحمده بمحامد لم يسمع الخلائق بمثلها تقول لك الحمد إلهي إذ جعلتني انتقم من أعدائك ولم تجعل لي شيئا مما خلقت تنتقم به منى إلى أهلي فلهي أعرف بأهلها من الطير بالحب على وجه الأرض حتى إذا كانت من الموقوف على مسيرة مائة وهو قول الله تعالى إذا رأتهم من مكان بعد زفرت زفرة فلا يبقى ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا صديق منتخب ولا شهيد مما هنالك الآخر جاثيا على ركبتيه ثم تزفر الثانية زفرة فلا يبقى قطرة من الدموع الا بدرت فلو كان لكل آدم يومئذ عمل اثنين وسبعين نبيا لظن انه سيواقعها ثم تزفر الثالثة زفرة فتنقطع القلوب من أماكنها فتصير بين اللهوات والحناجر ويعلو سواد العيون بياضها ينادى كل آدمي يومئذ يا رب نفسي نفسي لا أسألك غيرها حتى أن إبراهيم ليتعلق بساق العرش ينادى يا رب نفسي نفسي لا أسألك غيرها ونبيكم صلى الله عليه وسلم يقول يا رب أمتي أمتي لا همة له غيركم فعند ذلك يدعى بالأنبياء والرسل فيقال لهم ماذا أجبتم قالوا لا علم لنا طاشت الأحلام وذهلت العقول فإذا رجعت القلوب إلى أماكنها نزعنا من كل أمة شهيدا فقلنا هاتوا برهانكم فعلموا ان الحق لله وأما قوله تعالى ثم انكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون فيؤخذ للمظلوم من الظالم وللملوك من المالك وللضعيف من الشديد وللجماء من القرناء حتى يؤدى إلى كل ذي حق حقه فإذا أدى إلى كل ذي حق حقه أمر باهل الجنة إلى الجنة وأهل النار إلى النار اختصموا فقالوا ربنا هؤلاء أضلونا وربنا من قدم لنا هذا فزده عذابا ضعفا في النار فيقول الله تعالى لا تختصموا لدى وقد قدمت إليكم بالوعيد انما الخصومة بالموقف وقد قضيت بينكم بالموقف فلا تختصموا لدى وأما قوله اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم فهذا يوم القيامة حيث يرى الكفار ما يعطى الله أهل التوحيد من الفضائل والخير يقولون تعالوا حتى نحلف بالله ما كنا مشركين فتتكلم الأيدي بخلاف ما قالت الألسن وتشهد الأرجل تصديقا للأيدي ثم يأذن الله للأفواه فتنطق فقالوا لجلودهم لم شهد تم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شئ * قوله تعالى (إذا قال الله يا عيسى بن مريم) الآية * أخرج ابن أبي حاتم وابن عساكر وابن مردويه عن أبي موسى الأشعري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان يوم القيامة دعى بالأنبياء وأممها ثم يدعى بعيسى فيذكره الله نعمته عليه فيقربها يقول يا عيسى بن مريم أذكر نعمتي عليك وعلى والدتك الآية ثم يقول أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي الهين من دون الله فينكران يكون قال ذلك فيؤتى بالنصارى فيسئلون فيقولون نعم هو أمرنا بذلك فيطول شعر عيسى حتى يأخذ كل ملك من الملائكة بشعرة من شعر رأسه وجسده فيجاثيهم بين يدي الله مقادر ألف عام حتى يوقع عليهم الحجة ويرفع لهم الصليب وينطلق بهم إلى النار * وأخرج ابن أبي حاتم من طريق أبى بكر بن عياش عن ابن وهب عن أبيه قال قدم رجل من أهل الكتاب اليمن فقال أبى ائته واسمع منه فقلت تحيلني على رجل نصراني قال نعم ائته واسمع منه فأتيته فقال لما رفع الله عيسى عليه السلام أقامه بين يدي جبريل وميكائيل فقال له أذكر نعمتي عليك وعلى والدتك فعلت بك وفعلت بك ثم أخرجتك من بطن أم ففعلت بك وفعلت بك وستكون أمة بعدك ينتحلونك وينتحلون ربوبيتك ويشهدون انك قدمت وكيف يكون رب يموت فبعزتي حلفت لأناصبنهم الحساب يوم القيامة ولأقيمنهم مقام الخصم من الخصم حتى ينفذوا ما قالوا ولن ينفذوه أبدا ثم أسلم وجاء من الأحاديث بشئ لم أسمع مثلها * وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله وإذ كففت بني إسرائيل عنك إذ جئتهم بالبينات أي الآيات التي
(٣٤٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 340 341 342 343 344 345 346 347 348 349 350 » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة