ما هو أعلى رتبه وذلك على طريقة التأدب وعلى نحو من ذلك جاء آخر السورة فقال * (الذين أنعمت عليهم) * مصرحا بذكر المنعم وإسناد الإنعام إليه لفظا ولم يقل (صراط المنعم عليهم) فلما صار إلى ذكر الغضب روى عنه لفظه فلم ينسبه إليه لفظا وجاء باللفظ منحرفا عن ذكر الغاضب فلم يقل (غير الذين غضبت عليهم) تفاديا عن نسبة الغضب إليه في اللفظ حال المواجهة وقيل لأنه لما ذكر الحقيق بالحمد وأجرى عليه الصفات العظيمة من كونه ربا للعالمين ورحمانا ورحيما ومالكا ليوم الدين تعلق العلم بمعلوم عظيم الشأن حقيق بأن يكون معبودا دون غيره مستعانا به فخوطب بذلك لتميزه بالصفات المذكورة تعظيما لشأنه حتى كأنه قيل (إياك يا من هذه صفاته نخص بالعبادة والاستعانة لا غيرك) 4986 قيل ومن لطائفه التنبيه على أن مبتدأ الخلق الغيبة منهم عنه سبحانه وتعالى وقصورهم عن محاضرته ومخاطبته وقيام حجاب العظمة عليهم فإذا عرفوه بما هو له وتوسلوا للقرب بالثناء عليه وأقروا بالمحامد له وتعبدوا له بما يليق بهم تأهلوا لمخاطباته ومناجاته فقالوا * (إياك نعبد وإياك نستعين) * تنبيهات 4987 الأول شرط الالتفات أن يكون الضمير في المنتقل إليه عائدا في نفس الأمر إلى المنتقل عنه وإلا يلزم عليه أن يكون في (أنت صديقي) التفات 4988 الثاني شرطه أيضا أن يكون في جملتين صرح به صاحب الكشاف وغيره وإلا يلزم عليه أن يكون (نوعا غريبا) 4989 الثالث ذكر التنوخي في (الأقصى القريب) وابن الأثير وغيرهما نوعا غريبا من الالتفات وهو بناء الفعل للمفعول بعد خطاب فاعله أو تكلمه كقوله * (غير المغضوب عليهم) * بعد (أنعمت) فإن المعنى (غير الذين غضبت عليهم) وتوقف فيه صاحب عروس الأفراح 4990 الرابع قال ابن أبي الإصبع جاء في القرآن من الالتفات قسم غريب جدا لم أظفر في الشعر بمثاله وهو أن يقدم المتكلم في كلامه مذكورين مرتيين ثم يخبر عن الأول منهما وينصرف عن الإخبار عنه إلى الإخبار عن الثاني ثم يعود إلى الإخبار عن الأول كقوله * (إن الإنسان لربه لكنود وإنه على ذلك لشهيد) *
(٢٣٢)