أتى بأغرب ألفاظ القسم وهي التاء فإنها أقل استعمالا وأبعد من أفهام العامة بالنسبة إلى الباء والواو وبأغرب صيغ الأفعال التي ترفع الأسماء وتنصب الأخبار فإن (تزال) أقرب إلى الأفهام وأكثر استعمالا منها وبأغرب ألفاظ الهلاك وهو الحرض فاقتضى حسن الوضع في النظم أن تجاوز كل لفظة بلفظة من جنسها في الغرابة توخيا لحسن الجوار ورغبة في ائتلاف المعاني بالألفاظ ولتتعادل الألفاظ في الوضع وتتناسب في النظم ولما أراد غير ذلك قال * (وأقسموا بالله جهد أيمانهم) * فأتى بجميع الألفاظ متداولة لا غرابة فيها 5030 ومن الثاني قوله تعالى * (ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار) * لما كان الركون إلى الظالم وهو الميل إليه والاعتماد عليه دون مشاركته في الظلم وجب أن يكون العقاب عليه دون العقاب على الظلم فأتى بلفظ (المس) الذي هو دون الإحراق والاصطلاء وقوله * (لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت) * أتى بلفظ (الاكتساب) المشعر بالكلفة والمبالغة في جانب السيئة لثقلها وكذا قوله * (فكبكبوا فيها) * فهو أبلغ من (كبوا) للإشارة إلى أنهم يكبون كبا عنيفا فظيعا * (وهم يصطرخون) * فإنه أبلغ من (يصرخون) للإشارة إلى أنهم يصرخون صراخا منكرا خارجا عن الحد المعتاد * (أخذ عزيز مقتدر) * فإنه أبلغ من (قادر) للإشارة إلى زيادة التمكن في القدرة وأنه لا راد له ولا معقب ومثل ذلك * (واصطبر) * فإنه أبلغ من (اصبر) و (الرحمن) فإنه أبلغ من (الرحيم) فإنه يشعر باللطف والرفق كما أن الرحمن مشعر بالفخامة والعظمة ومنه الفرق بين سقى وأسقى فإن (سقى) لما لا كلفة معه في السقيا ولهذا أورده تعالى في شراب الجنة فقال * (وسقاهم ربهم شرابا طهورا) * و (أسقى) لما
(٢٣٧)