الرحمة رياحا وأما في العذاب فإنها تأتي من وجه واحد ولا معارض لها ولا دافع وقد خرج عن هذه القاعدة قوله تعالى في سورة يونس * (وجرين بهم بريح طيبة) * وذلك لوجهين لفظي وهو المقابلة في قوله * (جاءتها ريح عاصف) * ورب شيء يجوز في المقابلة ولا يجوز استقلالا نحو * (ومكروا ومكر الله) * ومعنوي وهو أن تمام الرحمة هناك إنما تحصل بوحدة الريح لا باختلافها فإن السفينة لا تسير إلا بريح واحدة من وجه واحد فإن اختلفت عليها الرياح كان سبب الهلاك والمطلوب هنا ريح واحدة ولهذا أكد هذا المعنى بوصفها بالطيب وعلى ذلك أيضا جرى قوله * (إن يشأ يسكن الريح فيظللن رواكد) * 3625 وقال ابن المنير إنه على القاعدة لأن سكون الريح عذاب وشدة على أصحاب السفن 3626 ومن ذلك إفراد النور وجمع الظلمات وإفراد سبيل الحق وجمع سبل الباطل في قوله تعالى * (ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله) * لأن طريق الحق واحدة وطريق الباطل متشعبة متعددة والظلمات بمنزلة طرق الباطل والنور بمنزلة طريق الحق بل هما هما ولهذا وحد ولي المؤمنين وجمع أولياء الكفار لتعددهم في قوله تعالى * (الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات) * 3627 ومن ذلك إفراد النار حيث وقعت والجنة وقعت مجموعة ومفردة لأن الجنان مختلفة الأنواع فحسن جمعها والنار مادة واحدة ولأن الجنة رحمة والنار عذاب فناسب جمع الأولى وإفراد الثانية على حد الرياح والريح 3628 ومن ذلك إفراد السمع وجمع البصر لأن السمع غلب عليه المصدرية فأفرد بخلاف البصر فإنه اشتهر في الجارحة ولأن متعلق السمع الأصوات وهي حقيقة واحدة ومتعلق البصر الألوان والأكوان وهي حقائق مختلفة فأشار في كل منهما إلى متعلقه
(٥٦٤)