قال الله عز وجل: * (فاذكروني أذكركم) * [البقرة: 152].
وعبارة الشيخ ابن أبي جمرة: * (ولذكر الله أكبر) * معناه: ذكره لك في الأزل أن جعلك من الذاكرين له; أكبر من ذكرك أنت الآن له، انتهى.
قال القشيري في " رسالته ": الذكر ركن قوي في طريق الحق سبحانه; وهو العمدة في هذا الطريق; ولا يصل أحد إلى الله سبحانه إلا بدوام الذكر، ثم الذكر على ضربين: ذكر باللسان، وذكر بالقلب، فذكر اللسان: به يصل العبد إلى استدامة ذكر القلب، والتأثير لذكر القلب، فإذا كان العبد ذاكرا بلسانه، وقلبه; فهو الكامل في وصفه، سمعت أبا علي الدقاق يقول: الذكر منشور الولاية، فمن وفق للذكر; فقد وفق للمنشور، ومن سلب الذكر فقد عزل، والذكر بالقلب مستدام في عموم الحالات. وأسند القشيري عن المظفر الجصاص قال: كنت أنا ونصر الخراط ليلة في موضع; فتذاكرنا شيئا من العلم; فقال الخراط:
الذاكر لله تعالى فائدته في أول ذكره: أن يعلم أن الله ذكره; فبذكر الله له ذكره، قال:
فخالفته، فقال: لو كان الخضر ها هنا لشهد لصحته، قال: فإذا نحن بشيخ يجيء بين السماء والأرض، حتى بلغ إلينا وقال: صدق; الذاكر لله، بفضل الله، وذكره له ذكره، فعلمنا أنه الخضر عليه السلام، انتهى. وباقي الآية ضرب من التوعد وحث على المراقبة، قال الباجي في " سنن الصالحين ": / قال بعض العلماء: إن الله عز وجل يقول: " أيما عبد اطلعت على قلبه; فرأيت الغالب عليه التمسك بذكري; توليت سياسته، وكنت جليسه ومحادثه وأنيسه ". انتهى.
وقوله تعالى: * (ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن) * هذه الآية مكية، ولم يكن يومئذ قتال، وكانت اليهود يومئذ بمكة; وفيما جاورها، فربما وقع بينهم وبين بعض المؤمنين جدال واحتجاج في أمر الدين; وتكذيب، فأمر الله المؤمنين ألا يجادلوهم إلا بالتي هي أحسن; دعاء إلى الله تعالى وملاينة، ثم استثنى من ظلم منهم المؤمنين; وحصلت منه أذية; فإن هذه الصنيفة استثني لأهل الإسلام معارضتها; بالتغيير عليها،