تفسير الثعالبي - الثعالبي - ج ٣ - الصفحة ٦٤
وأبطل سعيهم، وقوله سبحانه: (سحروا أعين الناس): نص في أن لهم فعلا ما زائدا على ما يحدثونه من التزويق، (واسترهبوهم) بمعنى: أرهبوهم، أي: فزعوهم، ووصف الله سبحانه سحرهم ب‍ " العظيم "، ومعنى ذلك من كثرته، وروي أنهم جلبوا ثلاثمائة وستين بعيرا موقورة بالحبال، والعصي، فلما ألقوها، تحركت، وملأت الوادي، يركب بعضها بعضا فاستهول الناس ذلك، واسترهبهم، قال الزجاج: قيل: إنهم جعلوا فيها الزئبق، فكانت لا تستقر.
وقوله سبحانه: (وأوحينا إلى موسى أن ألق عصاك فإذا هي تلقف ما يأفكون):
وروي أن موسى عليه السلام لما كان يوم الجمع، خرج متكئا على عصاه، ويده في يد أخيه، وقد صف له السحرة في عدد عظيم /، حسبما ذكر، فلما ألقوا واسترهبوا، أوحى الله إليه، أن ألق، فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين، فعظم حتى كان كالجبل.
وروي أن السحرة، لما ألقوا، وألقى موسى، جعلوا يرقون، وجعلت حبالهم تعظم وجعلت عصا موسى تعظم حتى سدت الأفق، وابتلعت الكل، وروي أن الثعبان استوفى تلك الحبال والعصي أكلا، وأعدمها الله عز وجل، ومد موسى يده إلى فمه، فعاد عصا كما كان، فعلم السحرة حينئذ أن ذلك ليس من عند البشر، فخروا سجدا مؤمنين بالله ورسوله، و (تلقف) معناه: تبتلع وتزدرد، وقرأ ابن جبير: " تلقم " بالميم.
وقوله سبحانه: (فوقع الحق...) الآية: أي: نزل ووجد، وقال أبو حيان:
فوقع، أي: فظهر، و " الحق ": يريد به سطوع البرهان، وظهور الإعجاز، (وما كانوا يعملون) لفظ يعم سحر السحرة، وسعي فرعون، وشيعته، والضمير في قوله: " فغلبوا ":
عائد على جميعهم أيضا، وفي قوله: (وانقلبوا صاغرين)، إن قدرنا انقلاب الجمع قبل إيمان السحرة، فهم في الضمير، وإن قدرناه بعد إيمانهم، فليسوا في الضمير، صغار، لأنهم آمنوا واستشهدوا رضي الله عنهم.
(٦٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 59 60 61 62 63 64 65 66 67 68 69 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة