وقوله: (أنتم شر مكانا...) الآية: الظاهر منه أنه قالها إفصاحا، كأنه أسر لهم كراهية مقالتهم، ثم نجههم بقوله: (أنتم شر مكانا): أي: لسوء أفعالكم، والله أعلم، أن كان ما وصفتموه حقا، وفي اللفظ إشارة إلى تكذيبهم، ومما يقوي هذا عندي أنهم تركوا الشفاعة بأنفسهم، وعدلوا إلى الشفاعة بأبيهم عليه السلام، وقالت فرقة: لم يقل هذا الكلام إلا في نفسه، وإنه تفسير للذي أسر في نفسه، فكأن المراد: قال في نفسه: أنتم شر مكانا، وذكر الطبري هنا قصصا اختصاره أنه لما استخرجت السقاية من رحل يامين، قال إخوته:
يا بني راحيل، لا يزال البلاء ينالنا من جهتكم، فقال يامين: بل بنو راحيل ينالهم البلاء منكم، ذهبتم بأخي، فأهلكتموه، ووضع هذا الصواع في رحلي الذي وضع الدراهم في رحالكم، فقالوا: لا تذكر الدراهم، لئلا نؤخذ بها، ثم دخلوا على يوسف، فأخذ الصواع، فنقره، فطن، فقال: إنه يخبر أنكم ذهبتم بأخ لكم، فبعتموه، فسجد يامين، وقال: أيها العزيز، سل صواعك هذا يخبرك بالحق، في قصص يطول آثرنا اختصاره.
وروي أن روبيل غضب، وقف شعره، حتى خرج من ثيابه، فأمر يوسف بنيا له، فمسه فسكن غضبه، فقال روبيل: لقد مسني أحد من ولد يعقوب، ثم إنهم تشاوروا في محاربة يوسف، وكانوا أهل قوة، لا / يدانون في ذلك، فلما أحس يوسف بذلك، قام إلى روبيل، فلببه وصرعه، فرأوا من قوته ما استعظموه، وقالوا: (يا أيها العزيز...) الآية، وخاطبوه باسم العزيز، إذ كان في تلك الخطة بعزل الأول أو موته، على ما روي في ذلك، وقولهم: (فخذ أحدنا مكانه) يحتمل أن يكون ذلك منهم مجازا، ويحتمل أن يكون حقيقة على طريق الحمالة، حتى يصل يامين إلى أبيه، ويعرف يعقوب جلية الأمر، فمنع يوسف من ذلك، وقال: (معاذ الله...) الآية.
وقوله سبحانه: (فلما استيأسوا منه...) الآية: يقال: يئس واستيأس بمعنى واحد، قال البخاري: (خلصوا نجيا): اعتزلوا، والجمع أنجية، وللاثنين والجمع نجي