وبالجملة، فمن يسوق شيئا، ويتلطف في تسييره، فقد أزجاه، فإذا كانت الدراهم مدفوعة نازلة القدر، تحتاج أن يعتذر معها، ويشفع لها، فهي مزجاة، فقيل: كان ذلك لأنها كانت زيوفا، قاله ابن عباس.
وقيل: كانت بضاعتهم عروضا، وقولهم: (وتصدق علينا): معناه ما بين الدراهم الجياد وبين هذه المزجاة، قاله السدي وغيره وقال الداوودي عن ابن جريج: (وتصدق علينا): قال: أردد علينا أخانا، انتهى، وهو حسن.
وقوله تعالى: (هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون)، روي أن يوسف عليه السلام لما قال له إخوته: (مسنا وأهلنا الضر) [يوسف: 88]، واستعطفوه رق ورحمهم، قال ابن إسحاق: وارفض دمعه باكيا، فشرع في كشف أمره إليهم، فروي أنه حسر قناعه، وقال لهم: (هل علمتم...) الآية، و (ما فعلتم بيوسف وأخيه): أي:
التفريق بينهما في الصغر وما نالهما بسببكم من المحن، (إذ أنتم جاهلون)، نسبهم إما إلى جهل المعصية، وإما إلى جهل الشباب وقلة الحنكة، فلما خاطبهم هذه المخاطبة، تنبهوا، ووقع لهم من الظن القوي وقرائن الحال، أنه يوسف فقالوا: (أئنك لأنت يوسف)، مستفهمين، فأجابهم يوسف كاشفا عن أمره، (قال أنا يوسف وهذا أخي) وباقي الآية بين.
وقوله سبحانه: (قالوا تالله لقد آثرك الله علينا وإن كنا لخاطئين): هذا منهم استنزال ليوسف، وإقرار بالذنب في ضمنه استغفار منه، و (آثرك): لفظ يعم جميع التفضيل.