تفسير الثعالبي - الثعالبي - ج ٢ - الصفحة ٤٢٥
ثم ذكر سبحانه بأمر الحشر والقيامة، مبالغة في التحذير، ولما بان في هذه الآيات تعظيم الحرم والحرمة بالإحرام من أجل الكعبة، وإنها بيت الله تعالى، وعنصر هذه الفضائل ذكر سبحانه في قوله: (جعل الله الكعبة البيت)، تنبيها سنه في الناس، وهداهم إليه، وحمل عليه الجاهلية الجهلاء من التزامهم أن الكعبة قوام، والهدي قوام، والقلائد قوام، أي: أمر يقوم للناس بالتأمين، ووضع الحرب أوزارها، وأعلم تعالى أن التزام الناس لذلك هو مما شرعه وارتضاه، و (جعل)، في هذه الآية: بمعنى " صير "، و (الكعبة بيت مكة، وسمي كعبة لتربيعه، قال أهل اللغة: كل بيت مربع، فهو مكعب، وكعبة، وذهب بعض المتأولين إلى أن معنى قوله تعالى: (قياما للناس)، أي: موضع وجوب قيام بالمناسك والتعبدات، وضبط النفوس في الشهر الحرام، ومع الهدي والقلائد، قال مكي:
معنى (قياما للناس)، أي: جعلها بمنزلة الرئيس الذي يقوم به أمر أتباعه، فهي تحجزهم عن ظلم بعضهم بعضا، وكذلك الهدي والقلائد جعل ذلك أيضا قياما للناس، فكان الرجل إذا دخل الحرم أمن من عدوه، وإذا ساق الهدي كذلك، لم يعرض له، وكان الرجل إذا أراد الحج، تقلد بقلادة من شعر، وإذا رجع تقلد بقلادة من لحاء شجر الحرم، فلا يعرض له، ولا يؤذى حتى يصل إلى أهله، قال ابن زيد: كان الناس كلهم فيهم ملوك تدفع بعضهم عن بعض، ولم يكن في العرب ملوك تدفع عن بعضهم ظلم بعض، فجعل الله لهم البيت الحرام قياما يدفع بعضهم عن بعض. انتهى من " الهداية ".
والشهر هنا: اسم جنس، والمراد الأشهر الثلاثة بإجماع من العرب، وشهر مضر، وهو رجب، وأما الهدي، فكان أمانا لمن يسوقه، لأنه يعلم أنه في عبادة لم يأت لحرب، وأما القلائد، فكذلك كان الرجل إذا خرج يريد الحج /، تقلد من لحاء السمر أو غيره
(٤٢٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 420 421 422 423 424 425 426 427 428 429 430 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة