وقوله سبحانه: (ولا تلوون على أحد) مبالغة في صفة الانهزام، وقرأ حميد بن قيس: " على أحد " (بضم الألف والحاء)، يريد الجبل، والمعني بذلك نبي الله صلى الله عليه وسلم، لأنه كان على الجبل، والقراءة الشهيرة أقوى، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن على الجبل إلا بعد ما فر الناس، وهذه الحال من إصعادهم إنما كانت، وهو يدعوهم، وروي أنه كان ينادى صلى الله عليه وسلم:
" إلي، عباد الله "، والناس يفرون، وفي قوله تعالى: (في أخراكم): مدح له صلى الله الله عليه وسلم، فإن ذلك هو موقف الأبطال في أعقاب الناس، ومنه قول الزبير بن باطا: ما فعل مقدمتنا إذا حملنا، وحاميتنا إذا فررنا، وكذلك كان صلى الله عليه وسلم أشجع الناس، ومنه قول سلمة بن الأكوع / : كنا إذا احمر البأس، اتقيناه برسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقوله تعالى: (فأثابكم): معناه: جازاكم على صنيعكم، واختلف في معنى قوله تعالى: (غما بغم)، فقال قوم: المعنى: أثابكم غما بسبب الغم الذي أدخلتموه على رسول الله صلى الله عليه وسلم وسائر المسلمين بفشلكم، وتنازعكم، وعصيانكم. قال قتادة، ومجاهد:
الغم الأول: أن سمعوا ألا إن محمدا قد قتل، والثاني: القتل والجراح.
وقوله تعالى: (لكيلا تحزنوا على ما فاتكم)، أي: من الغنيمة، ولا ما أصابكم، أي: من القتل والجراح، وذل الانهزام، واللام من قوله: " لكي لا " متعلقة ب " أثابكم "، المعنى: لتعلموا أن ما وقع بكم إنما هو بجنايتكم، فأنتم آذيتم أنفسكم، وعادة البشر أن جاني الذنب يصبر للعقوبة، وأكثر قلق المعاقب وحزنه، إنما هو مع ظنه البراءة بنفسه، ثم ذكر سبحانه أمر النعاس الذي أمن به المؤمنين، فغشي أهل الإخلاص، قلت: وفي صحيح البخاري "، عن أنس، أن أبا طلحة قال: عشينا النعاس، ونحن في مصافنا يوم أحد، قال: