تفسير الثعالبي - الثعالبي - ج ٢ - الصفحة ١١٥
الأيام على قديم الدهر وغابره أيضا إنما جعلها دولا بين البشر، أي: فلا تنكروا أن يدال عليكم الكفار.
وقوله تعالى: (وليعلم الله الذين آمنوا)، تقديره: وليعلم الله الذين آمنوا فعل ذلك، والمعنى: ليظهر في الوجود إيمان الذين قد علم الله أزلا، أنهم يؤمنون وإلا فقد علمهم في الأزل، (ويتخذ منكم شهداء): معناه أهل فوز في سبيله، حسبما ورد في فضائل الشهداء، وذهب كثير من العلماء إلى التعبير عن إدالة المؤمنين بالنصر، وعن إدالة الكفار بالإدالة، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك حديث، " أنهم يدالون، كما تنصرون " والتمحيص: التنقية، قال الخليل: التمحيص: التخليص من العيب، فتمحيص المؤمنين / هو تنقيتهم من الذنوب، والمحق: الإذهاب شيئا فشيئا، ومنه: محاق القمر، وقوله سبحانه: (أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين...) الآية: حسبتم: معناه: ظننتم، وهذه الآية وما بعدها عتب وتقريع لطوائف من المؤمنين الذين وقعت منهم الهنوات المشهورة في يوم أحد، ثم خاطب الله سبحانه المؤمنين بقوله: (ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه)، والسبب في ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج في غزوة بدر، يريد عير قريش مبادرا، فلم يوعب الناس معه، إذ كان الظن أنه لا يلقى حربا، فلما قضى الله ببدر ما قضى، وفاز حاضروها بالمنزلة الرفيعة، كان المتخلفون من المؤمنين عنها يتمنون حضور قتال الكفار، ليكون منهم في ذلك غناء يلحقهم عند ربهم ونبيهم بمنزلة أهل بدر، فلما جاء أمر أحد، لم يصدق كل المؤمنين، فعاتبهم الله بهذه الآية، وألزمهم تمني الموت، من حيث تمنوا أسبابه، وهو لقاء العدو ومضاربتهم، وإلا فنفس قتل المشرك للمسلم لا يجوز أن يتمنى، من حيث هو قتل، وإنما تتمنى لواحقه من الشهادة والتنعيم، قلت:
وفي كلام * ع *: بعض إجمال، وقد ترجم البخاري تمنى الشهادة، ثم أسند عن أبي هريرة، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " والذي نفسي بيده، لولا أن رجالا من المؤمنين لا تطيب أنفسهم، أن يتخلفوا عني، ولا أجد ما أحملهم عليه، ما تخلفت عن سرية تغزو في سبيل الله، والذي نفسي بيده، لوددت أني أقتل في سبيل الله، ثم أحيا ثم أقتل، ثم أحيا ثم أقتل، ثم أحيا ثم أقتل " وخرجه أيضا مسلم، وخرج البخاري ومسلم من حديث
(١١٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 110 111 112 113 114 115 116 117 118 119 120 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة