وقوله سبحانه: (ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه)، جاء الخطاب لجميع المؤمنين، وإن كانت الأمور التي عاتبهم سبحانه عليها، لم يقع فيها جميعهم، ولذلك وجوه من الفصاحة، منها: وعظ الجميع، وزجره، إذ من لم يفعل معد أن يفعل، إن لم يزجر، ومنها: الستر والإبقاء على من فعل، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد وعد المؤمنين النصر يومئذ على خبر الله، إن صبروا وجدوا، فصدقهم الله وعده، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم صاف المشركين يومئذ، ورتب الرماة، على ما قد ذكرناه قبل هذا، واشتعلت نار الحرب، وأبلى حمزة بن عبد المطلب، وأبو دجانة، وعلي، وعاصم بن أبي الأقلح، وغيرهم، وانهزم المشركون، وقتل منهم اثنان وعشرون رجلا، فهذا معنى قوله عز وجل: (إذ تحسونهم بإذنه)، والحسن: القتل الذريع، يقال: حسهم إذا استأصلهم قتلا، وحس البرد النبات.
وقوله سبحانه: (حتى إذا فشلتم)، يحتمل أن تكون " حتى " غاية، كأنه قال: إلى أن فشلتم، والأظهر الأقوى أن " إذا " على بابها تحتاج إلى الجواب، ومذهب الخليل، وسيبويه، وفرسان الصناعة، أن الجواب محذوف يدل عليه المعنى، تقديره: انهزمتم، ونحوه، والفشل: استشعار العجز، وترك الجد، والتنازع هو الذي وقع بين الرماة، (وعصيتم): عبارة عن ذهاب من ذهب من الرماة، وتأمل (رحمك الله) ما يوجبه الركون إلى الدنيا، وما ينشأ عنها من الضرر، وإذا كان مثل هؤلاء السادة على رفعتهم وعظيم منزلتهم، حصل لهم بسببها ما حصل، من الفشل والهزيمة، فكيف بأمثالنا، وقد حذر الله عز وجل ونبيه - عليه السلام - من الدنيا وآفاتها، بما لا يخفى على ذي لب، وقد ذكرنا في هذا " المختصر " جملة كافية لمن وفقه الله، وشرح صدره، وقد خرج البغوي في " المسند المنتخب " له، عن النبي صلى الله عليه وسلم / أنه قال: " لا تفتح الدنيا على أحد إلا ألقت بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة ". انتهى من " الكوكب الدري ".