أي بسطها، فخلق الأرض ثم السماء ثم دحا الأرض. وقرأ الجمهور: * (والارض) *، * (والجبال) * بنصبهما؛ والحسن وأبو حيوة وعمرو بن عبيد وابن أبي عبلة وأبو السمال: برفعهما؛ وعيسى: برفع الأرض. وأضيف الماء والمرعى إلى الأرض لأنهما يظهران منها. والجمهور: * (متاعا) * بالنصب، أي فعل ذلك تمتيعا لكم؛ وابن أبي عبلة: بالرفع، أي ذلك متاع. وقال الزمخشري: فإن قلت: فهلا أدخل حرف العطف على أخرج؟ قلت: فيه وجهان، أحدهما: أن يكون معنى * (دحاها) *: بسطها ومهدها للسكنى، ثم فسر التمهيد بما لا بد منه في تأتي سكناها من تسوية أمر المأكل والمشرب وإمكان القرار عليها. والثاني: أن يكون أخرج حالا بإضمار قد، كقوله: * (أو جاءوكم حصرت صدورهم) *. انتهى. وإضمار قد قول للبصريين ومذهب الكوفيين. والأخفش: أن الماضي يقع حالا، ولا يحتاج إلى إضمار قد، وهو الصحيح. ففي كلام العرب وقع ذلك كثيرا. انتهى. * (ومرعاها) *: مفعل من الرعي، فيكون مكانا وزمانا ومصدرا، وهو هنا مصدر يراد به اسم المفعول، كأنه قيل: ومرعيها: أي النبات الذي يرعى. وقدم الماء على المرعى لأنه سبب في وجود المرعى، وشمل * (ومرعاها) * ما يتقوت به الآدمي والحيوان غيره، فهو في حق الآدمي استعارة، ولهذا قيل: دل الله سبحانه وتعالى بذكر الماء والمرعى على عامة ما يرتفق به ويتمتع مما يخرج من الأرض حتى الملح، لأنه من الماء.
* (فإذا جاءت الطامة) *، قال ابن عباس والضحاك: القيامة. وقال ابن عباس أيضا والحسن: النفخة الثانية. وقال القاسم: وقت سوق أهل الجنة إليها، وأهل النار إليها، وهو معنى قول مجاهد. * (يوم يتذكر الإنسان ما سعى) *: أي عمله الذي كان سعى فيه في الدنيا. وقرأ الجمهور: * (وبرزت) * مبني للمفعول مشدد الراء، * (لمن يرى) * بياء الغيبة: أي لكل أحد، فيشكر المؤمن نعمة الله. وقيل: * (لمن يرى) * هو الكافر؛ وعائشة وزيد بن علي وعكرمة ومالك بن دينار: مبنيا للفاعل مخففا وبتاء، يجوز أن يكون خطابا للرسول صلى الله عليه وسلم)، أي لمن ترى من أهلها، وأن يكون إخبار عن الجحيم، فهي تاء التأنيث. قال تعالى: * (إذا رأتهم من مكان بعيد) *. وقال أبو نهيك وأبو السمال وهارون عن أبي عمرو: وبرزت مبنيا ومخففا، و * (يوم يتذكر) *: بدل من * (فإذا) *؛ وجواب إذا، قال الزمخشري: فإن الأمر كذلك. وقيل: عاينوا وعلموا. ويحتمل أن يكون التقدير: انقسم الراؤون قسمين، والأولى أن يكون الجواب: فأما وما بعده، كما تقول: إذا جاءك بنو تميم، فأما العاصي فأهنه، وأما الطائع فأكرمه.
* (طغى) *: تجاوز الحد في عصيانه، * (وءاثر الحيواة الدنيا) * على الآخرة، وهي مبتدأ أو فصل. والعائد على من من الخبر محذوف على رأي البصريين، أي المأوى له، وحسن حذفه وقوع المأوى فاصلة. وأما الكوفيون فمذهبهم أن أل عوض من الضمير. وقال الزمخشري: والمعنى فإن الجحيم مأواه، كما تقول للرجل: غض الطرف، تريد طرفك؛ وليس الألف واللام بدلا من الإضافة، ولكن لما علم أن الطاغي هو صاحب المأوى، وأنه لا يغض الرجل طرف غيره، تركت الإضافة. ودخول حرف التعريف في المأوى، والطرف للتحريف لأنهما معرفان. انتهى. وهو كلام لا يتحصل منه الرابط العائد على المبتدأ، إذ قد نفى مذهب الكوفيين، ولم يقدر ضميرا محذوفا، كما قدره البصريون، فرام حصول الربط بلا رابط.
* (وأما من خاف مقام ربه) *: أي مقاما بين يدي ربه يوم القيامة للجزاء؛ وفي إضافة المقام إلى الرب تفخيم للمقام وتهويل عظيم واقع من النفوس موقعا عظيما. قال ابن عباس: خافه عندما هم بالمعصية فانتهى عنها. * (ونهى النفس عن الهوى) *: أي عن شهوات النفس، وأكثر استعمال الهوى فيما ليس بمحمود. قال سهل: لا يسلم من الهوى إلا الأنبياء وبعض الصديقين. وقال بعض الحكماء: إذا أردت الصواب فانظر هواك فخالفه. وقال عمران الميرتلي:
* فخالف هواها واعصها إن من يطع * هوى نفسه تنزع به كل منزع ومن يطع النفس اللجوجة ترده وترم به في مصرع أي مصرع * وقال الفضيل: أفضل الأعمال خلاف الهوى، وهذا التفضيل هو عام في أهل الجنة وأهل النار. وعن ابن عباس