* (وأهديك إلى ربك فتخشى) *: هذا تفسير للتزكية، وهي الهداية إلى توحيد الله تعالى ومعرفته، * (فتخشى) *: أي تخافه، لأن الخشية لا تكون إلا بالمعرفة، * (إنما يخشى الله من عباده العلماء) *. وذكر الخشية لأنها ملاك الأمر، وفي الكلام حذف، أي فذهب وقال له ما أمره به ربه، وأتبع ذلك بالمعجزة الدالة على صدقه. * (فأراه الاية الكبرى) *: وهي العصا واليد، جعلهما واحدة، لأن اليد كأنها من جملة العصا لكونها تابعة لها، أو العصا وحدها لأنها كانت المقدمة، والأصل واليد تبع لها، لأنه كان يتقيها بيده. وقيل له * (ادخل * يدك فى جيبك) *. * (فكذب) *: أي فرعون موسى عليه السلام وما أتى به من المعجز، وجعل ذلك من باب السحر، * (وعصى) * الله تعالى بعدما علم صحة ما أتى به موسى، وإنما أوهم أنه سحر. * (ثم أدبر يسعى) *، قيل: أدبر حقيقة، أي قام من مكانه فارا بنفسه. وقال الجمهور: هو كناية عن إعراضه عن الإيمان. * (يسعى) *: يجتهد في مكايدة موسى عليه السلام. * (فحشر) *: أي جمع السحرة وأرباب دولته، * (فنادى) *: أي قام فيهم خطيبا، أو فنادى في المقام الذي اجتمعوا فيه معه. * (فقال أنا ربكم الاعلى) *، قال ابن عطية: قول فرعون ذلك نهاية في المخرقة، ونحوها باق في ملوك مصر وأتباعهم. انتهى. وإنما قال ذلك لأن ملك مصر في زمانه كان اسماعيليا، وهو مذهب يعتقدون فيه إلهية ملوكهم، وكأن أول من ملكها منهم المعز بن المنصور بن القائم بن المهدي عبيد الله، ولاهم العاضد وطهر الله مصر من هذا المذهب الملعون بظهورالملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب بن سادي، رحمه الله تعالى وجزاه عن الإسلام خيرا.
* (فأخذه الله نكال الاخرة والاولى) *، قال ابن عباس: الآخرة قوله: * (ما علمت لكم من إلاه غيرى) *، والأولى قوله: * (أنا ربكم الاعلى) *. وقيل العكس، وكان بين قولتيه أربعون سنة. وقال الحسن وابن زيد: نكال الآخرة بالحرق، والأولى يعني الدنيا بالغرق. وقال مجاهد: عذاب آخرة حياته وأولادها. وقال أبو زرين: الأولى كفره وعصيانه، والآخرة قوله: * (أنا ربكم الاعلى) *. وقال مجاهد عبارة عن أول معاصيه، وآخرها: أي نكل بالجميع، وانتصب نكال على المصدر والعامل فيه * (فأخذه) * لأنه في معناه وعلى رأي المبرد: بإضمار فعل من لفظه، أي نكل نكال، والنكال بمعنى التنكيل، كالسلام بمعنى التسليم. وقال الزمخشري: * (نكال الاخرة) * هو مصدر مؤكد، ك * (وعد الله) *، و * (صبغة الله) *، كأنه قيل: نكل الله به نكال الآخرة والأولى. انتهى. والمصدر المؤكد لمضمون الجملة السابقة يقدر له عامل من معنى الجملة. * (إن فى ذلك) *: فيما جرى لفرعون وأخذه تلك الأخذ، * (لعبرة) *: لعظة، * (لمن يخشى) *: أي لمن يخاف عقوبة الله يوم القيامة وفي الدنيا.
قوله عز وجل: * (أشد خلقا أم السماء بناها رفع * رفع سمكها فسواها * وأغطش ليلها وأخرج ضحاها * والارض بعد ذلك دحاها * أخرج منها ماءها ومرعاها * والجبال أرساها * متاعا لكم ولانعامكم * فإذا جاءت الطامة الكبرى * يوم يتذكر الإنسان ما سعى * وبرزت الجحيم لمن يرى * فأما من طغى * وءاثر الحيواة الدنيا * فإن الجحيم هى المأوى * وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى * فإن الجنة هى المأوى * يسئلونك عن الساعة أيان مرساها * فيم أنت من ذكراها * إلى ربك منتهاها * إنما أنت منذر من يخشاها * كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها) *.
الخطاب الظاهر أنه عام، والمقصود الكفار منكر والبعث، وقفهم على قدرته تعالى. * (أشد خلقا) *: أي أصعب إنشاء، * (أم السماء) *، فالمسؤول عن هذا يجيب ولا بد السماء، لما يرى من ديمومة بقائها وعدم تأثيرها. ثم بين تعالى كيفية خلقها. * (رفع سمكها) *: أي جعل مقدارها بها في العلو مديدا رفيعا مقدار خمسمائة عام، والسمك: الارتفاع الذي بين سطح السماء التي تليها وسطحها الأعلى الذي يلي ما فوقها، * (فسواها) *: أي جعلها ملساء مستوية، ليس فيها مرتفع ولا منخفض، أو تممها وأتقن إنشاءها بحيث أنها محكمة الصنعة. * (وأغطش) *: أي أظلم، * (ليلها) *. * (وأخرج) *: أبرز ضوء شمسها، كقوله تعالى: * (والشمس وضحاها) *، وقولهم: وقت الضحى: الوقت الذي تشرق فيه الشمس. وأضيف الليل والضحى إلى السماء، لأن الليل ظلها، والضحى هو نور سراجها.
* (والارض بعد ذلك) *: أي بعد خلق السماء وما فعل فيها، * (دحاها) *: