تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٨ - الصفحة ٣٤٥
المخففة من الثقيلة. * (لاسقيناهم ماء غدقا) *: كناية عن توسعة الرزق لأنه أصل المعاش. وقال بعضهم: المال حيث الماء. وقرأ الجمهور: * (غدقا) * بفتح الدال؛ وعاصم في رواية الأعشى: بكسرها؛ ويقال: غدقت العين تغدق غدقا فهي غدقة، إذا كثر ماؤها. * (لنفتنهم) *: أي لنختبرهم كيف يشكرون ما أنعم عليهم به، أو لمنتحنهم ونستدرجهم، وذلك على الخلاف في من يعود عليه الضمير في * (استقاموا) *. وقرأ الأعمش وابن وثاب بضم واو لو؛ والجمهور: بكسرها. وقرأ الكوفيون: * (يسلكه) * بالياء؛ وباقي السبعة: بالنون؛ وابن جندب: بالنون من أسلك؛ وبعض التابعين: بالياء من أسلك أيضا، وهما لغتان: سلك وأسلك، قال الشاعر:
حتى إذا أسلكوهم في قائدة وقرأ الجمهور: * (صعدا) * بفتحتين، وذو مصدر صعد وصف به العذاب، أي يعلو المعذب ويغلبه، وفسر بشاق. يقال: فلان في صعد من أمره، أي في مشقة. وقال عمر: ما يتصعد بي شيء كما يتصعد في خطبة النكاح، أي ما يشق علي. وقال أبو سعيد الخدري وابن عباس: صعد: جبل في النار. وقال الخدري: كلما وضعوا أيديهم عليه ذابت. وقال عكرمة: هو صخرة ملساء في جهنم يكلف صعودها، فإذا انتهى إلى أعلاها حدر إلى جهنم، فعلى هذا يجوز أن يكون بدلا من عذاب على حذف مضاف، أي عذاب صعد. ويجوز أن يكون صعدا مفعول يسلكه، وعذابا مفعول من أجله. وقرأ قوم: صعدا بضمتين؛ وابن عباس والحسن: بضم الصاد وفتح العين. قال الحسن: معناه لا راحة فيه.
وقرأ الجمهور: * (وأن المساجد) *، بفتح الهمزة عطفا على * (أنه استمع) *، فهو من جملة الموحى. وقال الخليل: معنى الآية: * (وأن المساجد لله فلا تدعوا) *: أي لهذا السبب، وكذلك عنده * (لإيلاف قريش) *، * (فليعبدوا) *، وكذلك * (وإن هاذه أمتكم) *: أي ولأن هذه. وقرأ ابن هرمز وطلحة: وإن المساجد، بكسرها على الاستئناف وعلى تقدير الخليل، فالمعنى: فلا تدعوا مع الله أحدا في المساجد لأنها لله خاصة ولعبادته، والظاهر أن المساجد هي البيوت المعدة للصلاة والعبادة في كل ملة. وقال الحسن: كل موضع سجد فيه فهو مسجد، كان مخصوصا لذلك أو لم يكن، لأن الأرض كلها مسجد هذه الأمة. وأبعد ابن عطاء في قوله إنها الآراب التي يسجد عليها، واحدها مسجد بفتح الجيم، وهي الجبهة والأنف واليدان والركبتان والقدمان عد الجبهة والأنف واحدا وأبعد أيضا من قال المسجد الحرام لأنه قبلة المساجد، وقال: إنه جمع مسجد وهو السجود. وروي أنها نزلت حين تغلبت قريش على الكعبة، فقيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم): المواضع كلها لله، فاعبده حيث كنت. وقال ابن جبير: نزلت لأن الجن قالت: يا رسول الله، كيف نشهد الصلاة معك على نأينا عنك؟ فنزلت الآية ليخاطبهم على معنى أن عبادتكم حيث كنتم مقبولة إذ دخلنا المساجد.
وقرأ الجمهور: * (وأنه لما قام عبد الله) * بفتح الهمزة، عطفا على قراءتهم * (وأن المساجد) * بالفتح. وقرأ ابن هرمز وطلحة ونافع وأبو بكر. بكسرها على الاستئناف؛ وعبد الله هو محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم)، * (يدعوه) *: أي يدعو الله * (كادوا) *: أي كاد الجن، قال ابن عباس والضحاك: ينقضون عليه لاستماع القرآن. وقال الحسن وقتادة: الضمير في * (كادوا) * لكفار قريش والعرب في اجتماعهم على رد أمره. وقال ابن جبير: المعنى أنها قول الجن لقومهم يحكمون، والضمير في * (كادوا) * لأصحابه الذين يطوعون له ويقيدون به في الصلاة. قال الزمخشري: فإن قلت: هلا قيل رسول الله أو النبي؟ قلت: لأن تقديره وأوحي إلي أنه لما قام عبد الله، فلما كان واقعا في كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم) عن نفسه، جيء به على ما
(٣٤٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 340 341 342 343 344 345 346 347 348 349 350 ... » »»