تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٨ - الصفحة ٣٤٤
أن ينتصب على إسقاط في، فلا يجوز ذلك إلا في الضرورة، وقد نص سيبويه على أن عسل الطريق شاذ، فلا يخرج القرآن عليه. * (وأنا ظننا أن لن نعجز الله) *: أي أيقنا، * (فى الارض) *: أي كائنين في الأرض، * (ولن نعجزه هربا) *: أي من الأرض إلى السماء، وفي الأرض وهربا حالان، أي فارين أو هاربين. * (وأنا لما سمعنا الهدى) *: وهو القرآن، * (به إنه) *: أي بالقرآن، * (فمن يؤمن بربه فلا يخاف) *: أي فهو لا يخاف. وقرأ ابن وثاب والأعمش والجمهور: * (فلا يخاف) *، وخرجت قراءتهما على النفي. وقيل: الفاء زائدة ولا نفي وليس بشيء، وكان الجواب بالفاء أجود من المجيء بالفعل مجزوما دون الفاء، لأنه إذا كان بالفاء كان إضمار مبتدأ، أي فهو لا يخاف. والجملة الاسمية أدل وآكد من الفعلية على تحقق مضمون الجملة. * (بخسا) *، قال ابن عباس: نقص الحسنات، * (ولا رهقا) *، قال: زيادة في السيئات، * (ولا رهقا) *، قيل: تحميل ما لا يطاق. وقال الزمخشري: أي جزاء بخس ولا رهق، لأنه لم يبخس أحدا حقا ولا رهق ظلم أحد، فلا يخاف جزاءهما. ويجوز أن يراد: فلا يخاف أن يبخس بل يجزى الجزاء الأوفى، ولا أن ترهقه ذلة من قوله عز وجل: * (ترهقهم ذلة) *. انتهى. وقرأ الجمهور: * (بخسا) * بسكون الخاء؛ وابن وثاب: بفتحها. * (ومنا القاسطون) *: أي الكافرون الجائزون عن الحق. قال مجاهد وقتادة: والبأس القاسط: الظالم، ومنه قول الشاعر:
* قوم هم قتلوا ابن هند عنوة * وهمو اقسطوا على النعمان * وجاء هذا التقسيم، وإن كان قد تقدم * (وأنا منا) *، ومنا دون ذلك ليذكر حال الفريقين من النجاة والهلكة ويرغب من يدخل في الإسلام. والظاهر أن * (القاسطون فمن أسلم) * إلى آخر الشرطين من كلام الجن. وقال ابن عطية: الوجه أن يكون * (فمن أسلم) * مخاطبة من الله تعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم)، وسلم ويؤيده ما بعد من الآيات. وقرأ الأعرج: رشدا، بضم الراء وسكون الشين؛ والجمهور: بفتحهما. وقال الزمخشري: وقد زعم من لا يرى للجن ثوابا أن الله تعالى أوعد قاسطيهم وما وعد مسلميهم، وكفى به وعيدا، أي فأولئك تحروا رشدا، فذكر سبب الثواب وموجبه، والله أعدل من أن يعاقب القاسط ولا يثيب الراشد. انتهى، وفيه دسيسة الاعتزال في قوله وموجبه.
قوله عز وجل: * (وألو استقاموا على الطريقة لاسقيناهم ماء غدقا * لنفتنهم فيه ومن يعرض عن ذكر ربه يسلكه عذابا صعدا * وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا * وأنه لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبدا * قل إنما * ادعوا * ربى ولا أشرك به أحدا * قل إنى لا أملك لكم ضرا ولا رشدا * قل إنى لن * يجيرنى من الله أحد ولن أجد من دونه ملتحدا * إلا بلاغا من الله ورسالاته ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم خالدين فيها أبدا * حتى إذا رأوا ما يوعدون فسيعلمون من أضعف ناصرا وأقل عددا * قل إن أدرى أقريب ما توعدون أم يجعل له ربى أمدا * عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا * إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا * ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربهم وأحاط بما لديهم وأحصى كل شىء عددا) *.
هذا من جملة الموحى المندرج تحت * (أوحى إليك) *، وأن مخففة من الثقيلة، والضمير في * (استقاموا) *، قال الضحاك والربيع بن أنس وزيد بن أسلم وأبو مجلز: هو عائد على قوله: * (فمن أسلم) *، والطريقة: طريقة الكفر، أي لو كفر من أسلم من الناس * (لاسقيناهم) * إملاء لهم واستدراجا واستعارة، الاستقامة للكفر قلقة لا تناسب. وقال ابن عباس ومجاهد وقتادة وابن جبير: هو عائد على القاسطين، والمعنى على الطريقة الإسلام والحق، لأنعمنا عليهم، نحو قوله: * (ولو أن أهل الكتاب ءامنوا واتقوا) *. وقيل: الضمير في استقاموا عائد على الخلق كلهم، وأن هي
(٣٤٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 339 340 341 342 343 344 345 346 347 348 349 ... » »»