وحى إليها القرار فاستقرت. وقرأ زيد بن علي وجوية، فيما روي عن الكسائي وابن أبي عبلة أيضا: أحي بإبدال الواو همزة، كما قالوا في وعد أعد. وقال الزمخشري: وهو من القلب المطلق جوازه في كل واو مضمومة. انتهى. وليس كما ذكر، بل في ذلك تفصيل، وذلك أن الواو المضمومة قد تكون أولا وحشوا وآخرا، ولكل منها أحكام، وفي بعضها خلاف وتفصيل مذكور في النحو. قال الزمخشري: وقد أطلقه المازني في المكسور أيضا، كإشاح وإسادة وإعاء أخيه. انتهى، وهذا تكثير وتبجح. وكان يذكر هذا في * (وعاء أخيه) * في سورة يوسف. وعن المازني في ذلك قولان: أحدهما: القياس كما قال، والآخر: قصر ذلك على السماع.
و * (أنه استمع) * في موضع المفعول الذي لم يسم فاعله؛ أي استماع * (نفر من الجن) *، والمشهور أن هذا الاستماع هو المذكور في الأحقاف في قوله تعالى: * (وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرءان) *، وهي قصة واحدة. وقيل: قصتان، والجن الذين أتوه بمكة جن نصيبين، والذين أتوه بنخلة جن نينوي، والسورة التي استمعوها، قال عكرمة: * (اقرأ باسم ربك) *. وقيل: سورة الرحمن. ولم تتعرض الآية، لا هنا ولا في سورة الأحقاف، إلى أنه رآهم وكلمهم عليه الصلاة والسلام. ويظهر من الحديث (أن ذلك كان مرتين: إحداهما: في مبدأ مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم)، وهو في الوقت الذي أخبر فيه عبد الله بن مسعود أنه لم يكن معه ليلة الجن، وقد كانوا فقدوه عليه الصلاة والسلام، فالتمسوه في الأودية والشعاب فلم يجدوه. فلما أصبح، إذا هو جاء من قبل حراء، وفيه أتاني داعي الجن، فذهبت معه وقرأت عليهم القرآن، فانطلق بنا وأرانا آثارهم وآثار نارهم. والمرة الآخرى: كان معه ابن مسعود، وقد استندب صلى الله عليه وسلم) من يقوم معه إلى أن يتلو القرآن على الجن، فلم يقم أحد غير عبد الله بن مسعود، فذهب معه إلى الحجون عند الشعب، فخط على ه خطا وقال: لا تجاوزه. فانحدر عليه صلى الله عليه وسلم) أمثال الحجر يجرون الحجارة بأقدامهم يمشون يقرعون في دفوفهم كما تقرع النسوة في دفوفهن حتى غشوه فلا أراه فقمت فأومأ إلي بيده أن اجلس فتلا القرآن فلم يزل صوته يرتفع واختفوا في الأرض حتى ما أراهم). الحديث. ويدل على أنهما قصتان، اختلافهم في العدد، فقيل: سبعة، وقيل: تسعة، وعن زر: كانوا ثلاثة من أهل حران، وأربعة من أهل نصيبين، قرية باليمن غير القرية التي بالعراق. وعن عكرمة: كانوا اثني عشر ألفا من جزيرة الموصل، وأين سبعة من اثني عشر ألفا؟
* (فقالوا إنا سمعنا قرءانا عجبا) *: أي قالوا لقومهم لما رجعوا إليهم، ووصفوا قرآنا بقولهم * (عجبا) * وصفا بالمصدر على سبيل المبالغة، أي هو عجب في نفسه لفصاحة كلامه، وحسن مبانيه، ودقة معانيه، وغرابة أسلوبه، وبلاغة مواعظه، وكونه مباينا لسائر الكتب. والعجب ما خرج عن أحد أشكاله ونظائره. * ( يهدى إلى الرشد) *: أي يدعو إلى الصواب. وقيل: إلى التوحيد والإيمان. وقرأ الجمهور: * (الرشد) * بضم الراء وسكون الشين؛ وعيسى: بضمهما؛ وعنه أيضا: فتحهما. * (يهدى إلى) *: أي بالقرآن. ولما كان الإيمان به متضمنا الإيمان بالله وبوحدانيته وبراءة من الشرك قالوا: * (ولن نشرك بربنا أحدا) *.
وقرأ الحرميان والأبوان: بفتح الهمزة من قوله: * (وأنه تعالى) * وما بعده، وهي اثنتا عشرة آية آخرها * (وأنا منا المسلمون) *؛ وباقي السبعة: بالكسر. فأما الكسر فواضح لأنها معطوفات على قوله: * (إنا سمعنا) *، فهي داخلة في معمول القول. وأما الفتح، فقال أبو حاتم: هو على * (أوحى) *، فهو كله في موضع رفع على ما لم يسم فاعله. انتهى. وهذا لا يصح، لأن من المعطوفات ما لا يصح دخوله تحت * (أوحى) *، وهو كل ما كان فيه ضمير المتكلم، كقوله: * (وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع) *. ألا ترى أنه لا يلائم * (أوحى إليك) *، * (إنا كنا * نقعد منها مقاعد) *، وكذلك باقيها؟ وخرجت قراءة الفتح على أن تلك كلها معطوفة على الضمير المجرور في به من قوله: * (يهدى إلى) *: أي وبأنه، وكذلك باقيها، وهذا جائز على مذهب الكوفيين، وهو الصحيح. وقد تقدم احتجاجنا على صحة ذلك في قوله: * (وكفر به والمسجد الحرام) *