والحكم بذلك هو وعيد حتى إذا رأوا ما حكم بكينونته لهم فسيعلمون. فقوله: * (فأن له نار جهنم) * هو وعيد لهم بالنار، ومن أضعف مبتدأ وخبر في موضع نصب لما قبله، وهو معلق عنه لأن من استفهام. ويجوز أن تكون من موصولة في موضع نصب بسيعلمون، وأضعف خبر مبتدأ محذوف. والجملة صلة لمن، وتقديره: هو أضعف، وحسن حذفه طول الصلة بالمعمول وهو ناصرا. قال مكحول: لم ينزل هذا إلا في الجن، أسلم منهم من وفق وكفر من خذل كالإنس، قال: وبلغ من تابع النبي صلى الله عليه وسلم) ليلة الجن سبعين ألفا، وفزعوا عند انشقاق الفجر. ثم أمره تعالى أن يقول لهم إنه لا يدري وقت طول ما وعدوا به، أهو قريب أم بعيد؟.
قال الزمخشري: فإن قلت: ما معنى قوله: * (أم يجعل له ربى أمدا) *، والأمد يكون قريبا وبعيدا؟ ألا ترى إلى قوله تعالى: * (تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا) *؟ قلت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم) يستقرب الموعد، فكأنه قال: (ما أدري أهو حال متوقع في كل ساعة أم مؤجل ضربت له غاية)؟ أي هو عالم الغيب. * (فلا يظهر) *: فلا يطلع، و * (من رسول) * تبيين لمن ارتضى، يعني أنه لا يطلع على الغيب إلا المرتضي الذي هو مصطفى للنبوة خاصة، لا كل مرتضي، وفي هذه إبطال للكرامات، لأن الذين تضاف إليهم، وإن كانوا أولياء مرتضين، فليسوا برسل. وقد خص الله الرسل من بين المرتضين بالاطلاع على الغيب وإبطال الكهانة والتنجيم، لأن أصحابهما أبعد شيء من الارتضاء وأدخله في السخط. انتهى. وقال ابن عباس: * (عالم الغيب) *، قال الحسن: ما غاب عن خلقه، وقيل: الساعة. وقال ابن عباس: إلا بمعنى لكن، فجعله استثناء منقطعا. وقيل: إلا بمعنى ولا أي، ولا من ارتضى من رسول وعالم خبر مبتدأ محذوف، أي هو عالم الغيب، أو بدل من ربي. وقرئ: عالم بالنصب على المدح. وقال السدي: علم الغيب، فعلا ماضيا ناصبا، والجمهور: عالم الغيب اسم فاعل مرفوعا. وقرأ الجمهور: * (فلا يظهر) * من أظهر؛ والحسن: يظهر بفتح الياء والهاء من ظهر، * (إلا من ارتضى من رسول) *: استثناء من أحدا، أي فإنه يظهره على ما يشاء من ذلك، فإنه يسلك الله من بين يدي ذلك الرسول، * (ومن خلفه رصدا) *: أي حفظة يحفظونه من الجن ويحرسونه في ضبط ما يلقيه تعالى إلى ذلك الرسول من علم الغيب. وعن الضحاك: ما بعث نبي إلا ومعه ملائكة يحرسونه من الشياطين أن يتشبهوا بصورة الملك.
وقال القرطبي: قال العلماء: لما تمدح سبحانه بعلم الغيب واستأثر به دون خلقه، كان فيه دليل على أنه لا يعلم الغيب أحد سواه، ثم استثنى من ارتضاه من الرسل فأودعهم ما شاء من غيبه بطريق الوحي إليهم، وجعله معجزة لهم ودلالة صادقة على نبوتهم، ثم ذكر استدلالا على بطلان ما يقوله المنجم، ثم قال باستحلال دم المنجم. وقال الواحدي: في هذا دليل على أن من ادعى أن النجوم تدل على ما يكون من حياة أو موت أو غير ذلك فقد كفر بما في القرآن. قال أبو عبد الله الرازي والواحدي: تجوز الكرامات على ما قال صاحب الكشاف، فجعلها تدل على المنع من الأحكام النجومية ولا تدل على الإلهامات مجرد تشبه، وعندي أن الآية لا تدل على شيء مما قالوه، لأن قوله: * (على غيبه) * ليس فيه صفة عموم، فيكفي في العمل بمقتضاه أن لا يظهر خلقه تعالى على غيب واحد من غيوبه، ويحمله على وقت قيام القيامة فلا يبقى دليل في الآية على أنه لا يظهر شيئا من الغيوب لأحد، ويؤكده أنه ذكر هذه الآية عقيب قوله: * (إن أدرى أقريب ما توعدون) * الآية: أي لا أدري وقت وقوع القيامة، إذ هي من الغيب الذي لا يظهره الله لأحد. و * (إلا من ارتضى) *: استثناء منقطع، كأنه قال: فلا يظهر على غيبه المخصوص أحدا إلا من ارتضى من رسول، فله حفظة يحفظونه من شر مردة الإنس والجن.
قال أبو عبد الله الرازي: واعلم أنه لا بد من القطع بأنه ليس المراد من هذه الآية أنه لا يطلع أحد على شيء من المغيبات إلا الرسل عليهم الصلاة والسلام، والذي يدل عليه وجوه: أحدها: أنه ثبت بالأخبار القريبة من التواتر أن شقا وسطيحا كانا كاهنين يخبران بظهور محمد صلى الله عليه وسلم) قبل زمان ظهوره، وكانا في العرب مشهورين بهذا النوع من العلم حتى رجع إليهما كسرى في تعرف أخبار رسولنا صلى الله عليه وسلم). وثانيها: إطباق الأمم على صحة علم التعبير، فيخبر المعبر عن ما