تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٨ - الصفحة ٣٣٤
في اختلاف ألوان الناس وخلقهم وخلقهم ومللهم. وقيل: صبيانا ثم شبابا ثم شيوخا وضعفاء ثم أقوياء. وقيل: معنى * (أطوارا) *: أنواعا صحيحا وسقيما وبصيرا وضريرا وغنيا وفقيرا.
* قوله عز وجل: * (ألم تروا كيف خلق الله سبع * سماوات * طباقا * وجعل القمر فيهن نورا وجعل الشمس سراجا * والله أنبتكم من الارض نباتا * ثم يعيدكم فيها ويخرجكم إخراجا * والله جعل لكم الارض بساطا * لتسلكوا منها سبلا فجاجا * قال نوح رب إنهم عصونى واتبعوا من لم يزده ماله وولده إلا خسارا * ومكروا مكرا كبارا * وقالوا لا تذرن ءالهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا * وقد أضلوا كثيرا ولا تزد الظالمين إلا ضلالا * مما خطيئاتهم أغرقوا فأدخلوا نارا فلم يجدوا لهم من دون الله أنصارا * وقال نوح رب لا تذر على الارض من الكافرين ديارا * إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا * رب اغفر لى ولوالدى ولمن دخل بيتى مؤمنا وللمؤمنين والمؤمنات ولا تزد الظالمين إلا تبارا) *.
لما نبههم نوح عليه السلام على الفكر في أنفسهم، وكيف انتقلوا من حال إلى حال، وكانت الأنفس أقرب ما يفكرون فيه منهم، أرشدهم إلى الفكر في العالم علوه وسفله ، وما أودع تعالى فيه، أي في العالم العلوي من هذين النيرين اللذين بهما قوام الوجود. وتقدم شرح * (طباقا) * في سورة الملك، والضمير في فيهن عائد على السماوات، ويقال: القمر في السماء الدنيا، وصح كون السماوات ظرفا للقمر، لأنه لا يلزم من الظرف أن يملأه المظروف. تقول: زيد في المدينة، وهو في جزء منها، ولم تقيد الشمس بظرف، فقيل: هي في الرابعة، وقيل: في الخامسة، وقيل: في الشتاء في الرابعة، وفي الصيف في السابعة، وهذا شيء لا يوقف على معرفته إلا من علم الهيئة. ويذكر أصحاب هذا العلم أنه يقوم عندهم البراهين القاطعة على صحة ما يدعونه، وأن في معرفة ذلك دلالة واضحة على عظمة الله وقدرته وباهر مصنوعاته. * (سراجا) * يستضيء به أهل الدنيا، كما يستضيء الناس بالسراج في بيوتهم، ولم يبلغ القمر مبلغ الشمس في الإضاءة، ولذلك؛ جاء هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا، والضياء أقوى من النور. والإنبات استعارة في الإنشاء، أنشأ آدم من الأرض وصارت ذريته منه، فصح نسبتهم كلهم إلى أنهم أنبتوا منها. وانتصاب نباتا بأنبتكم مصدرا على حذف الزائد، أي إنباتا، أو على إضمار فعل، أي فنبتم نباتا. وقال الزمخشري: المعنى أنبتكم فنبتم، أو نصب بأنبتكم لتضمنه معنى نبتم. انتهى. ولا أعقل معنى هذا الوجه الثاني الذي ذكره. * (ثم يعيدكم فيها) *: أي يصيركم فيها مقبورين، * (ويخرجكم إخراجا) *: أي يوم القيامة، وأكده بالمصدر، أي ذلك واقع لا محالة. * (بساطا) * تتقلبون عليها كما يتقلب الرجل على بساطه. وظاهره أن الأرض ليست كروية بل هي مبسوطة، * (سبلا) *: ظرفا، * (فجاجا) *: متسعة، وتقدم الكلام على الفج في سورة الحج.
ولما أصروا على العصيان وعاملوه بأقبح الأقوال والأفعال، * (قال نوح رب إنهم عصونى) *: الضمير للجميع، وكان قد قال لهم: * (وأطيعون) *، وكان قد أقام فيهم ما نص الله تعالى عليه * (ألف سنة إلا خمسين عاما) *، وكانوا قد وسع عليهم في الرزق بحيث كانوا يزرعون في الشهر مرتين. * (واتبعوا) *: أي عامتهم وسفلتهم، إذ لا يصح عوده على الجميع في عبادة الأصنام. * (من لم يزده) *: أي رؤساؤهم وكبراؤهم، وهم الذين كان ما تأثلوه من المال وما تكثروا به من الولد سببا في خسارتهم في الآخرة، وكان سبب هلاكهم في الدنيا. وقرأ ابن الزبير والحسن والنخعي والأعرج ومجاهد والأخوان وابن كثير وأبو عمرو ونافغ، في رواية خارجة: وولده بضم الواو وسكون اللام؛ والسلمي والحسن أيضا وأبو رجاء وابن وثاب وأبو جعفر وشيبة ونافع وعاصم وابن عامر: بفتحهما، وهما لغتان، كبخل وبخل؛ والحسن أيضا والجحدري وقتادة وزر وطلحة وابن أبي إسحاق وأبو عمرو، في رواية: كسر الواو وسكون اللام. وقال أبو حاتم: يمكن أن يكون الولد بالضم جمع الولد، كخشب وخشب، وقد قال حسان بن ثابت:
* يا بكر آمنة المبارك بكرها * من ولد محصنة بسعد الأسعد *
(٣٣٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 329 330 331 332 333 334 335 336 337 338 339 ... » »»