تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٨ - الصفحة ٣٤٣
في أشعارهم، ويدل عليه الحديث حين رأى عليه الصلاة والسلام نجما قد رمي به، قال: (ما كنتم تقولون في مثل هذا في الجاهلية)؟ قالوا: كنا نقول: يموت عظيم أو يولد عظيم. قال أوس بن حجر:
* وانقض كالدري يتبعه * نقع يثور بحالة طنبا * وقال عوف بن الجزع:
* فرد علينا العير من دون إلفه * أو الثور كالدري يتبعه الدم * وقال بشر بن أبي حازم:
* والعير يرهقها الغبار وجحشها * ينقض خلفهما انقضاض الكوكب * قال التبريزي: وهؤلاء الشعراء كلهم جاهليون ليس فيهم محضرم، وقال معمر: قلت للزهري: أكان يرمي بالنجوم في الجاهلي؟ قال: نعم، قلت: أرأيت قوله: * (وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع) *؟ فقال: غلظت وشدد أمرها حين بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم). وقال الجاحظ: القول بالرمي أصح لقوله: * (فوجدناها ملئت) *، وهذا إخبار عن الجن أنه زيد في حرس السماء حتى امتلأت، ولما روى ابن عباس وذكر الحديث السابق. وقال الزمخشري: تابعا للجاحظ، وفي قوله دليل على أن الحرس هو الملء والكثرة، فلذلك * (نقعد منها مقاعد) *: أي كنا نجد فيها بعض المقاعد خالية من الحرس والشهب، والآن ملئت المقاعد كلها. انتهى. وهذا كله يبطل قول من قال: إن الرجم حدث بعد مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم)، وهو إحدى آياته. والظاهر أن رصدا على معنى: ذوي شهاب راصدين بالرجم، وهم الملائكة الذين يرجمونهم بالشهب ويمنعونهم من الاستماع.
ولما رأوا ما حدث من كثرة الرجم ومنع الاستراق قالوا: * (أنا لا * ندرى أشر أريد بمن فى الارض) *، وهو كفرهم بهذا النبي صلى الله عليه وسلم)، فينزل بهم الشر، * (أم أراد بهم ربهم رشدا) *، فيؤمنون به فيرشدون. وحين ذكروا الشر لم يسندوه إلى الله تعالى، وحين ذكروا الرشد أسندوه إليه تعالى. * (وأنا منا الصالحون) *: أخبروا بما هم عليه من صلاح وغيره. * (ومنا دون ذلك) *: أي دون الصالحين، ويقع دون في مواضع موقع غير، فكأنه قال: ومنا غير صالحين. ويجوز أن يريدوا: ومنادون ذلك في الصلاح، أي فيهم أبرار وفيهم من هو غير كامل في الصلاح، ودون في موضع الصفة لمحذوف، أي ومنا قوم دون ذلك. ويجوز حذف هذا الموصوف في التفصيل بمن، حتى في الجمل، قالوا: منا ظعن ومنا أقام، يريدون: منا فريق ظعن ومنا فريق أقام، والجملة من قوله: * (كنا طرائق قددا) * تفسير للقسمة المتقدمة. قال ابن عباس وعكرمة وقتادة: أهواء مختلفة، وقيل: فرقا مختلفة. وقال الزمخشري: أي كنا ذوي مذاهب مختلفة، أو كنا في اختلاف أحوالنا مثل الطرائق المختلفة، أو كنا في طرائق مختلفة كقوله:
كما عسل الطريق الثعلب أو كانت طرائقنا قددا على حذف المضاف الذي هو الطرائق، وإقامة الضمير المضاف إليه مقامه. انتهى. وفي تقديريه الأولين حذف المضاف من طرائق وإقامة المضاف إليه مقامه، إذ حذف ذوي ومثل. وأما التقدير الثالث، وهو
(٣٤٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 338 339 340 341 342 343 344 345 346 347 348 ... » »»