تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٨ - الصفحة ٣٣٩
الجد: لغة العظمة والجلال، وجد في عيني: عظم وجل. وقال أبو عبيدة والأخفش: الملك والسلطان، والجد: الحظ، والجد: أبو الأب. الحرس: اسم جمع، الواحد حارس، كغيب واحده غائب، وقد جمع على أحراس. قال الشاعر:
تجاوزت أحراسا وأهوال معشر كشاهد وأشهاد، والحارس: الحافظ للشيء يرقبه. القدد: السير المختلفة، الواحدة قدة. قال الشاعر:
* القابض الباسط الهادي بطاعته * في قنية الناس إذ أهواؤهم قدد * وقال الكميت:
* جمعت بالرأي منهم كل رافضة * إذ هم طرائق في أهوائهم قدد * تحرى الشيء: طلبه باجتهاد وتوخاه وقصده. الغدق: الكثير. اللبد، جمع لبدة: وهو تراكم بعضه فوق بعض، ومنه لبدة الأسد. ويقال للجراد الكثير المتراكم: لبد، ومنه اللبد الذي يفرش، يلبد صوفه: دخل بعضه في بعض.
* (قل أوحى إلى أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرءانا عجبا * يهدى إلى الرشد فئامنا به ولن نشرك بربنا أحدا * وأنه تعالى جد ربنا ما اتخذ صاحبة ولا ولدا * وأنه كان يقول سفيهنا على الله شططا * وأنا ظننا أن لن تقول الإنس والجن على الله كذبا * وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا * وأنهم ظنوا كما ظننتم أن لن يبعث الله أحدا * وأنا لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرسا شديدا وشهبا * وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع الان يجد له شهابا رصدا * وأنا لا ندرى أشر أريد بمن فى الارض أم أراد بهم ربهم رشدا * وأنا منا الصالحون ومنا دون ذلك كنا طرائق قددا * وأنا ظننا أن لن نعجز الله فى الارض ولن نعجزه هربا * وأنا لما سمعنا الهدىءامنا به فمن يؤمن بربه فلا يخاف بخسا ولا رهقا * وأنا منا المسلمون ومنا القاسطون فمن أسلم فأولئك تحروا رشدا * وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا) *.
هذه السورة مكية. ووجه مناسبتها لما قبلها: أنه لما حكي تمادي قوم نوح في الكفر وعكوفهم على عبادة الأصنام، وكان عليه الصلاة والسلام أول رسول إلى الأرض؛ كما أن محمدا صلى الله عليه وسلم) آخر رسول إلى الأرض، والعرب الذي هو منهم عليه الصلاة والسلام كانوا عباد أصنام كقوم نوح، حتى أنهم عبدوا أصناما مثل أصنام أولئك في الأسماء، وكان ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم) من القرآن هاديا إلى الرشد، وقد سمعته العرب، وتوقف عن الإيمان به أكثرهم، أنزل الله تعالى سورة الجن إثر سورة نوح، تبكيتا لقريش والعرب في كونهم تباطؤا عن الإيمان، إذ كانت الجن خيرا لهم وأقبل للإيمان، هذا وهم من غير جنس الرسول صلى الله عليه وسلم)؛ ومع ذلك فبنفس ما سمعوا القرآن استعظموه وآمنوا به للوقت، وعرفوا أنه ليس من نمط كلام الناس، بخلاف العرب فإنه نزل بلسانهم وعرفوا كونه معجزا، وهم مع ذلك مكذبون له ولمن جاء به حسدا وبغيا أن ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده.
وقرأ الجمهور: * (قل أوحى) * رباعيا؛ وابن أبي عبلة والعتكي، عن أبي عمرو، وأبو أناس جوية بن عائذ الأسدي: وحى ثلاثيا، يقال: وحى وأوحى بمعنى واحد. قال العجاج
(٣٣٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 334 335 336 337 338 339 340 341 342 343 344 ... » »»