تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٨ - الصفحة ٣٣٢
ود وسواع ويغوث ويعوق ونسرا: أسماء أصنام أعلام لها اتخذها قوم نوح عليه السلام آلهة.
* (إنا أرسلنا نوحا إلى قومه أن أنذر قومك من قبل أن يأتيهم عذاب أليم * قال ياءادم * قوم * إنى لكم نذير مبين * أن اعبدوا الله واتقوه وأطيعون * يغفر لكم من ذنوبكم ويؤخركم إلى أجل مسمى إن أجل الله إذا جاء لا يؤخر لو كنتم تعلمون * قال) *.
هذه السورة مكية. ومناسبتها لما قبلها: أنه تعالى لما أقسم على أن يبدل خيرا منهم، وكانوا قد سخروا من المؤمنين وكذبوا بما وعدوا به من العذاب، ذكر قصة نوح وقومه معه، وكانوا أشد تمردا من المشركين، فأخذهم الله أخذ استئصال حتى أنه لم يبق لهم نسلا على وجه الأرض، وكانوا عباد أصنام كمشركي مكة، فحذر تعالى قريشا أن يصيبهم عذاب يستأصلهم إن لم يؤمنوا. ونوح عليه السلام أول نبي أرسل، ويقال له شيخ المرسلين، وآدم الثاني، وهو نوح بن لامك بن متوشلخ بن خنوخ، وهو إدريس بن برد بن مهلاييل بن أنوش بن قينان بن شيث بن آدم عليه الصلاة والسلام. * (أن أنذر قومك) *: يجوز أن تكون أن مصدرية وأن تكون تفسيرية. * (عذاب أليم) *، قال أبو عباس: عذاب النار في الآخرة. وقال الكلبي: ما حل بهم من الطوفان. * (من ذنوبكم) *: من للتبعيض، لأن الإيمان إنما يجب ما قبله من الذنوب لا ما بعده. وقيل: لابتداء الغاية. وقيل: زائدة، وهو مذهب، قال ابن عطية: كوفي، وأقول: أخفشي لا كوفي، لأنهم يشترطون أن تكون بعد من نكرة، ولا يبالون بما قبلها من واجب أو غيره، والأخفش يجيز مع الواجب وغيره. وقيل: النكرة والمعرفة. وقيل: لبيان الجنس، ورد بأنه ليس قبلها ما تبينه.
قال الزمخشري: فإن قلت: كيف قال: * (ويؤخركم) * مع إخباره بامتناع تأخير الأجل؟ وهل هذا إلا تنافض؟ قلت: قضى الله مثلا أن قوم نوح إن آمنوا عمرهم ألف سنة، وإن بقوا على كفرهم أهلكهم على رأس تسعمائة سنة، فقيل لهم: آمنوا يؤخركم إلى أجل مسمى: أي إلى وقت سماه الله تعالى وضربه أمدا تنتهون إليه لا تتجاوزونه، وهو الوقت الأطول تمام الألف. ثم أخبر أنه إذا جاء ذلك الأجل الأمد، لا يؤخر كما يؤخر هذا الوقت، ولم تكن لكم حيلة، فبادروا في أوقات الإمهال والتأخير. انتهى. وقال ابن عطية: * (ويؤخركم إلى أجل مسمى) * مما تعلقت المعتزلة به في قولهم أن للإنسان أجلين، قالوا: لو كان واحدا محددا لما صح التأخير ، إن كان الحد قد بلغ، ولا المعاجلة إن كان لم يبلغ، قال: وليس لهم في الآية تعلق، لأن المعنى: أن نوحا عليه الصلاة والسلام لم يعلم هل هم ممن يؤخر أو ممن يعاجل، ولا قال لهم إنكم تؤخرون عن أجل قد حان لكم، لكن قد سبق في الأزل أنهم، إما ممن قضى له بالإيمان والتأخير، وإما ممن قضى له بالكفر والمعاجلة. ثم تشدد هذا المعنى ولاح بقوله: * (إن أجل الله إذا جاء لا يؤخر) *، وجواب لو محذوف تقديره: لو كنتم تعلمون، لبادرتم إلى عبادته وتقواه وطاعتي فيما جئتكم به منه تعالى. ولما لم يجيبوه وآذوه، شكا إلى ربه شكوى من يعلم أن الله تعالى عالم بحالة مع قومه لما أمر بالإنذار فلم يجد فيهم.
* (قال رب إنى دعوت قومى ليلا ونهارا) *: أي جميع الأوقات من غير فتور ولا تعطيل في وقت. ولما ازدادوا إعراضا ونفارا عن الحق، جعل الدعاء هو الذي زادهم، إذ كان سبب الزيادة، ومثله: * (فزادتهم رجسا إلى رجسهم) *. * (وإنى كلما دعوتهم لتغفر لهم) *: أي ليتربوا فتغفر لهم، ذكر المسبب الذي هو حظهم خالصا ليكون أقبح في إعراضهم عنه، * (جعلوا أصابعهم فىءاذانهم) *: الظاهر أنه حقيقة، سدوا مسامعهم حتى لا يسمعوا ما دعاهم إليه، وتغطوا بثيابهم حتى لا ينظروا إليه كراهة وبغضا من سماع النصح ورؤية الناصح. ويجوز أن يكون كناية عن المبالغة في إعراضهم عن ما دعاهم إليه، فهم بمنزلة من سد سمعه ومنع بصره، ثم كرر صفة دعائه بيانا وتوكيدا. لما ذكر دعاءه عموم الأوقات، ذكر عموم حالات الدعاء. و * (كلما دعوتهم) *: يدل على تكرر الدعوات، فلم يبين حالة دعائه أولا، وظاهرة أن
(٣٣٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 327 328 329 330 331 332 333 334 335 336 337 ... » »»