تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٨ - الصفحة ١٦
* وصبغت درعك من دماء كماتهم * لما رأيت الحسن يلبس أحمرا * وقال ابن زيد: الزخرف: أثاث البيت، وما يتخذ له من السرور والنمارق. وقال الحسن: النقوش، وقيل: التزاويق، كالنقش. وقرأ الجمهور: لما، بفتح اللام وتخفيف الميم: هي مخففة من الثقيلة، واللام الفارقة بين الإيجاب والنفي، وما: زائدة، ومتاع: خبر كل. وقرأ الحسن، وطلحة، والأعمش، وعيسى، وعاصم، وحمزة: لما، بتشديد الميم، وإن: نافية، ولما: بمعنى إلا. وقرأ أبو رجاء، وأبو حيوة: لما، بكسر اللام، وخرجوه على أن ما موصولة، والعائد محذوف تقديره: للذي هو متاع كقوله: * (تماما على الذى أحسن) *. وإن في هذا التخريج هي المخففة من الثقيلة، وكل: مبتدأ وخبره في المجرور، أي: وإن كل ذلك لكائن، أو لمستقر الذي هو متاع، ومن حيث هي المخففة من الثقيلة، كان الإتيان باللام هو الوجه، فكان يكون التركيب لكما متاع، لكنه قد تحذف هذه اللام إذا دل المعنى على أن إن هي المخففة من الثقيلة، فلا يجر إلى ذكر اللام الفارقة، ومن ذلك قول الشاعر:
* ونحن أباة الضيم من آل مالك وإن مالك كانت كرام المعادن * يريد: لكانت، ولكنه حذف لأنه لا يتوهم في إن أن تكون نافية، لأن صدر البيت يدل على المدح، وتعين إن لكونها المخففة من الثقيلة. * (والاخرة عند ربك للمتقين) *: أي ونعيم الآخرة، وفيه تحريض على التقوى. وقرأ: ومن يعش، بضم الشين، أي يتعام ويتجاهل عن ذكره، وهو يعرف الحق. وقيل: يقل نظره في شرع الله، ويغمض جفونه عن النظر في: * (ذكر الرحمان) *. والذكر هنا، يجوز أن يراد به القرآن، واحتمل أن يكون مصدرا أضيف إلى المفعول، أي يعش عن أن يذكر الرحمن. وقال ابن عطية: أي فيما ذكر عباده، فالمصدر مضاف إلى الفاعل. انتهى، كأنه يريد بالذكر: التذكير. وقرأ يحيى بن سلام البصري: ومن يعش، بفتح الشين، أي يعم عن ذكر الرحمن، وهو القرآن، كقوله: * (صم بكم عمى) *. وقرأ زيد بن علي: يعشو بالواو. وقال الزمخشري: على أن من موصولة غير مضمنة معنى الشرط، وحق هذا القارئ أن يرفع نقيض. انتهى. ولا يتعين ما قاله، إذ تتخرج هذه القراءة على وجهين: أحدهما: أن تكون من شرطية، ويعشو مجزوم بحذف الحركة تقديرا. وقد ذكر الأخفش أن ذلك لغة بعض العرب، ويحذفون حروف العلة للجازم. والمشهور عند النحاة أن ذلك يكون في الشعر، لا في الكلام. والوجه الثاني: أن تكون من موصولة والجزم بسببها للموصول باسم الشرط، وإذا كان ذلك مسموعا في الذي، وهو لم يكن اسم شرط قط، فالأولى أن يكون فيما استعمل موصولا وشرطا. قال الشاعر:
* ولا تحفرن بئرا تريد أخا بها * فإنك فيها أنت من دونه تقع كذاك الذي يبغي على الناس ظالما تصبه على رغم عواقب ما صنع * أنشدهما ابن الأعرابي، وهو مذهب الكوفيين، وله وجه من القياس، وهو: أنه كما شبه الموصول باسم الشرط فدخلت الفاء في خبره، فكذلك يشبه به فينجزم الخبر، إلا أن دخول الفاء منقاس إذا كان الخبر مسببا عن الصلة بشروطه
(١٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 ... » »»