تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٨ - الصفحة ١٧٧
كان؛ وإن كانت تامة، كانت في موضع نصب على الحال. والاستفهام هنا لا يراد به حقيقته، بل المعنى على التذكير بما حل بهم. * (ولقد يسرنا) *: أي سهلنا، * (ولقد يسرنا) *: أي للإذكار والاتعاظ، لما تضمنه من الوعظ والوعد والوعيد. * (فهل من مدكر) *، قال ابن زيد: من متعظ. وقال قتادة: فهل من طالب خير؟ وقال محمد بن كعب: فهل من مزدجر عن المعاصي؟ وقيل: للذكر: للحفظ، أي سهلناه للحفظ، لما اشتمل عليه من حسن النظم وسلامة اللفظ، وعروة عن الحشو وشرف المعاني وصحتها، فله تعلق بالقلوب. * (فهل من مدكر) *: أي من طالب لحفظه ليعان عليه، وتكون زواجره وعلومه حاضرة في النفس. وقال ابن جبير: لم يستظهر شيء من الكتب الإلهية غير القرآن. وقيل: يسرنا: هيأنا * (ولقد يسرنا) *، كقولهم: يسر ناقته للسفر إذا رحلها، ويسر فرسه للغزو إذا أسرجه وألجمه، قال الشاعر:
* وقمت إليه باللجام ميسرا * هنالك يجزيني الذي كنت أصنع * قوله عز وجل: * (كذبت عاد فكيف كان عذابى ونذر * إنا أرسلنا عليهم ريحا صرصرا فى يوم نحس مستمر * تنزع الناس كأنهم أعجاز نخل منقعر * فكيف كان عذابى ونذر * ولقد يسرنا القرءان للذكر فهل من مدكر * كذبت ثمود بالنذر * فقالوا أبشرا منا واحدا نتبعه إنا إذا لفى ضلال وسعر * الذكر عليه من بيننا بل هو كذاب أشر * سيعلمون * سيعلمون غدا من الكذاب الاشر * إنا مرسلوا الناقة فتنة لهم فارتقبهم واصطبر * ونبئهم أن الماء قسمة بينهم كل شرب محتضر * فنادوا صاحبهم فتعاطى فعقر * فكيف كان عذابى ونذر * إنا أرسلنا عليهم صيحة واحدة فكانوا كهشيم المحتظر * ولقد يسرنا القرءان للذكر فهل من مدكر) *.
تقدمت قصة عاد مطولة ومتوسطة، وهنا ذكرها تعالى موجزة، كما ذكر قصة نوح عليه السلام موجزة. ولما لم يكن لقوم نوح علم، ذكر قوم مضافا إلى نوح. ولما كانت عاد علما لقوم هود، ذكر العلم، لأنه أبلغ في الذكر من التعريف بالإضافة. وتكرر التهويل بالاستفهام قبل ذكر ما حل بهم وبعده، لغرابة ما عذبوا به من الريح، وانفرادهم بهذا النوع من العذاب، ولأن الاختصار داعية الاعتبار والتدبر والصرصر الباردة، قاله ابن عباس والضحاك وقتادة. وقيل، المصوتة والجمهور: على إضافة يوم إلى نحس، وسكون الحاء. وقرأ الحسن: بتنوين يوم وكسر الحاء، جعله صفة لليوم، كقوله تعالى: * (فى أيام نحسات) *. * (مستمر) *، قال قتادة: استمر بهم حتى بلغهم جهنم. وعن الحسن والضحاك: كان مرا عليهم. وروي أنه كان يوم الأربعاء، والذي يظهر أنه ليس يوما معينا، بل أريد به الزمان والوقت، كأنه قيل: في وقت نحس. ويدل على ذلك أنه قال في سورة فصلت: * (فأرسلنا عليهم ريحا صرصرا فى أيام نحسات) *. وقال في الحاقة: * (سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما) *، إلا أن يكون ابتداء الريح في يوم الأربعاء، فعبر بوقت الابتداء، وهو يوم الأربعاء، فيمكن الجمع بينها.
* (تنزع الناس) *: يجوز أن يكون صفة للريح، وأن يكون حالا منها، لأنها وصفت فقربت من المعرفة. ويحتمل أن يكون تنزع مستأنفا، وجاء الظاهر
(١٧٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 172 173 174 175 176 177 178 179 180 181 182 ... » »»