يريد العلو علينا، وأن يقتادنا ويتملك طاعتنا. وقرأ قتادة وأبو قلابة: بل هو الكذاب الأشر، بلام التعريف فيهما وبفتح الشين وشد الراء، وكذا الأشر الحرف الثاني. وقرأ الحرف الثاني مجاهد، فيما ذكر صاحب اللوامح وأبو قيس الأودي الأشر بثلاث ضمات وتخفيف الراء. ويقال: أشر وأشر، كحذر وحذر، فضمة الشين لغة وضم الهمزة تبع لضمة الشين. وحكى الكسائي عن مجاهد: ضم الشين. وقرأ أبو حيوة: هذا الحرف الآخر الأشر أفعل تفضيل، وإتمام خير، وشر في أفعل التفضيل قليل. وحكى ابن الأنباري أن العرب تقول: هو أخير وهو أشر. قال الراجز.
بلال خير الناس وابن الأخير وقال أبو حاتم: لا تكاد العرب تتكلم بالأخير والأشر إلا في ضرورة الشعر، وأنشد قول رؤبة بلال البيت. وقرأ علي والجمهور: سيعلمون بياء الغيبة، وهو من إعلام الله تعالى لصالح عليه السلام؛ وابن عامر وحمزة وطلحة وابن وثاب والأعمش: بتاء الخطاب: أي قل لهم يا صالح وعدا يراد به الزمان المستقبل، لا اليوم الذي يلي يوم خطابهم، فاحتمل أن يكون يوم العذاب الحال بهم في الدنيا، وأن يكون يوم القيامة، وقال الطرماح:
* ألا عللاني قبل نوح النوائح * وقبل اضطراب النفس بين الجوانح * * وقبل غد يا لهف نفسي في غد * إذا راح أصحابي ولست برائح * أراد وقت الموت، ولم يرد غدا بعينه. وفي قوله: * (سيعلمون غدا) * تهديد ووعيد ببيان انكشاف الأمر، والمعنى: أنهم هم الكذابون الأشرون. وأورد ذلك مورد الإبهام والاحتمال، وإن كانوا هم المعنيين بقوله تعالى، حكاية عن قول نوح عليه الصلاة والسلام: * (فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه) *، والمعنى به قومه، وكذا قول شعيب عليه السلام: * (سوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ومن هو كاذب) *؛ وقول الشاعر:
* فلئن لقيتك خاليين لتعلمن * أني وأيك فارس الأحزاب * وإنما عنى أنه فارس الأحزاب، لا الذي خاطبه. * (إنا مرسلوا الناقة فتنة لهم) *: أي ابتلاء واختبارا، وآنس بذلك صالحا. ولما هددهم بقوله: * (سيعلمون غدا) *، وكانوا قد ادعوا أنه كاذب، قالوا: ما الدليل على صدقك؟ قال الله تعالى: * (إنا مرسلوا الناقة) *: أي مخرجوها من الهضبة التي سألوها. * (فارتقبهم) *: أي فانتظرهم وتبصر ما هم فاعلون، * (واصطبر) * على أذاهم ولا تعجل حتى يأتي أمر الله. * (ونبئهم أن الماء) *: أي ماء البئر الذي لهم، * (قسمة بينهم) *: أي بين ثمود وبين الناقة غلب ثمود، فالضمير في بينهم لهم وللناقة. أي لهم شرب يوم، وللناقة شرب يوم. وقرأ الجمهور: قسمة بكسر القاف؛ ومعاذ عن أبي عمرو: بفتحها. * (كل شرب محتضر) * أي محضور لهم وللناقة. وتقدمت قصة الناقة مستوفاة، فأغنى عن إعادتها، وهنا محذوف، أي فكانوا على هذه الوتيرة من قسمة الماء، فملوا ذلك وعزموا على عقر الناقة. * (فنادوا صاحبهم) *، وهو قدار بن سالف، * (فتعاطى) *: هو مطاوع عاطى، وكأن هذه الفعلة تدافعها الناس وعاطاها بعضهم بعضا، فتعاطاها قدار وتناول العقر بيده. ولما كانوا راضين، نسب ذلك إليهم في قوله: * (فعقروا الناقة) *، وفي قوله: * (فكذبوه فعقروها) *. والصيحة التي أرسلت عليهم.
يروي أن جبريل عليه السلام صاح في طرف منازلهم، فتفتتوا وهمدوا