تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٨ - الصفحة ١٨٠
وصاروا * (كهشيم المحتظر) * وهو ما تفتت وتهضم من الشجر. والمحتظر: الذي يعمل الحظيرة، فإنه تتفتت منه حالة العمل وتتساقط أجزاء مما يعمل به، أو يكون الهشيم ما يبس من الحظيرة بطول الزمان، تطأه البهائم فيتهشم. وقرأ الجمهور: بكسر الظاء؛ وأبو حيوة وأبو السمال وأبو رجاء وأبو عمرو بن عبيد: بفتحها، وهو موضع الاحتظار. وقيل: هو مصدر، أي كهشيم الاحتظار، وهو ما تفتت حالة الاحتظار. والحظيرة تصنعها العرب وأهل البوادي للمواشي والسكنى من الأغصان والشجر المورق والقصب. والخظر: المنع؛ وعن ابن عباس وقتادة، أن المحتظر هو المحترق. قال قتادة: كهشيم محترق؛ وعن ابن جبير: هو التراب الذي يسقط من الحائط البالي. وقيل: المحتظر بفتح الظاء هو الهشيم نفسه، فيكون من إضافة الموصوف إلى صفته، كمسجد الجامع على من تأوله كذلك، وكان هنا قيل: بمعنى صار.
قوله عز وجل: * (كذبت قوم لوط بالنذر * إنا أرسلنا عليهم حاصبا إلا ال لوط نجيناهم بسحر * نعمة من عندنا كذلك نجزى من شكر * ولقد أنذرهم بطشتنا فتماروا بالنذر * ولقد راودوه عن ضيفه فطمسنا أعينهم فذوقوا عذابى ونذر * ولقد صبحهم بكرة عذاب مستقر * فذوقوا عذابى ونذر * ولقد يسرنا القرءان للذكر فهل من مدكر * ولقد جاء ءال فرعون النذر * كذبوا بئاياتنا * كلها فأخذناهم أخذ عزيز مقتدر * أكفاركم خير من أولئكم أم لكم براءة فى الزبر * أم يقولون نحن جميع منتصر * سيهزم الجمع ويولون الدبر * بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر * إن المجرمين فى ضلال وسعر * يوم يسحبون فى النار على وجوههم ذوقوا مس سقر * إنا كل شىء خلقناه بقدر * وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر * ولقد أهلكنا أشياعكم فهل من مدكر * وكل شىء فعلوه فى الزبر * وكل صغير وكبير مستطر * إن المتقين فى جنات ونهر * فى مقعد صدق عند مليك مقتدر) *.
تقدمت قصة لوط عليه السلام وقومه. والحاصب من الحصباء، وهو المعني بقوله تعالى: * (وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل) *. * (إلا ءال لوط) *، قيل: إلا ابنتاه، و * (بسحر) *: هو بكرة، فلذلك صرف، وانتصب * (نعمت) * على أنه مفعول من أجله، أي نجيناهم لإنعامنا عليهم أو على المصدر، لأن المعنى: أنعمنا بالتنجية إنعاما. * (كذالك نجزى) *: أي مثل ذلك الإنعام والتنجية نجزي * (من شكر) * إنعامنا وأطاع وآمن. * (ولقد أنذرهم بطشتنا) *: أي أخذتنا لهم بالعذاب، * (فتماروا) *: أي تشككوا وتعاطوا ذلك، * (بالنذر) *: أي بالإنذار، أو يكون جمع نذير. * (فطمسنا) *، قال قتادة: الطمس حقيقة جر جبريل عليه السلام على أعينهم جناحه، فاستوت مع وجوههم. وقال أبو عبيدة: مطموسة بجلد كالوجه. قيل: لما صفقهم جبريل عليه السلام بجناحه، تركهم يترددون لا يهتدون إلى الباب، حتى أخرجهم لوط عليه السلام. وقال ابن عباس والضحاك: هذه استعارة، وإنما حجب إدراكهم، فدخلوا المنزل ولم يروا شيئا، فجعل ذلك كالطمس. وقرأ الجمهور: فطمسنا بتخفيف الميم؛ وابن مقسم: بتشديدها. * (فذوقوا) *: أي فقلت لهم على ألسنة الملائكة: ذوقوا.
* (ولقد صبحهم بكرة) *: أي أول النهار وباكره، لقوله: * (مشرقين) * و * (مصبحين) *. وقرأ الجمهور: بكرة بالتنوين، أراد بكرة من البكر، فصرف. وقرأ زيد بن علي: بغير تنوين. * (عذاب مستقر) *: أي لم يكشفه عنهم كاشف، بل اتصل بموتهم، ثم بما بعد ذلك من عذاب القبر، ثم عذاب جهنم. * (فذوقوا عذابى ونذر) *: توكيد وتوبيخ ذلك عند الطمس، وهذا عند تصبيح العذاب. قيل: وفائدة تكرار هذا، وتكرار * (ولقد يسرنا) *، التجرد عند استماع كل نبأ من أنباء الأولين، للاتعاظ واستئناف التيقظ إذا سمعوا الحث على ذلك لئلا تستولي عليهم الغفلة، وهكذا حكم التكرير لقوله: * (فبأى ءالاء ربكما تكذبان) * عند كل نعمة عدها في سورة الرحمن. وقوله: * (ويل يومئذ للمكذبين) * عند كل آية أوردها في سورة والمرسلات، وكذلك تكرير القصص في أنفسها، لتكون العبرة حاضرة للقلوب، مذكورة في كل أوان.
* (ولقد جاء ءال فرعون النذر) *: هم موسى
(١٨٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 175 176 177 178 179 180 181 182 183 184 185 ... » »»