تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٨ - الصفحة ١٧٢
ومره، يكون لازما ومتعديا. وقيل: مستمر: يشبه بعضه بعضا، أي استمرت أفعاله على هذا الوجه من التخيلات. وقيل: مستمر: مار من الأرض إلى السماء، أي بلغ من سحره أنه سحر القمر. * (وكذبوا) *: أي بالآيات وبمن جاء بها، أي قالوا هذا سحر مستمر سحرنا محمد. * (واتبعوا أهواءهم) *: أي شهوات أنفسهم وما يهوون. * (وكل أمر مستقر) *، بكسر القاف وضم الراء: مبتدأ أو خبر. قال مقاتل: أي له غاية ينتهي إليها. وقال الكلبي: مستقر له حقيقة، فما كان في الدنيا فسيظهر، وما كان في الآخرة فسيعرف. وقال قتادة: معناه أن الخير يستقر بأهل الخير، والشر بأهل الشر. وقيل: يستقر الحق ظاهرا ثابتا، والباطل زاهقا ذاهبا. وقيل: كل أمر من أمرهم وأمره يستقر على خذلان أو نصرة في الدنيا وسعادة، أو شقاوة في الآخرة. وقرأ شيبة: مستقر بفتح القاف، ورويت عن نافع؛ وقال أبو حاتم: لا وجه لفتح القاف. انتهى. وخرجت على حذف مضاف، أي ذو استقرار، وزمان استقرار. وقرأ أبو جعفر وزيد بن علي: مستقر بكسر القاف والراء معا صفة لأمر. وخرجه الزمخشري على أن يكون وكل عطفا على الساعة، أي اقتربت الساعة، واقترب كل أمر مستقر يستقر ويتبين حاله، وهذا بعيد لطول الفصل بجمل ثلاث، وبعيد أن يوجد مثل هذا التركيب في كلام العرب، نحو: أكلت خبزا وضربت زيدا، وأن يجيء زيد أكرمه ورحل إلى بني فلان ولحما، فيكون ولحما عطفا على خبزا، بل لا يوجد مثله في كلام العرب. وخرجه صاحب اللوامح على أنه خبر لكل، فهو مرفوع في الأصل، لكنه جر للمجاورة، وهذا ليس بجيد، لأن الخفض على الجوار في غاية الشذوذ، ولأنه لم يعهد في خبر المبتدأ، إنما عهد في الصفة على اختلاف النحاة في وجوده، والأسهل أن يكون الخبر مضمرا لدلالة المعنى عليه، والتقدير: * (وكل أمر مستقر) * بالغوه، لأن قبله: * (وكذبوا واتبعوا أهواءهم) *: أي وكل أمر مستقر لهم في القدر من خير أو شر بالغه هم. وقيل: الخبر حكمة بالغة، أي وكل أمر مستقر حكمة بالغة. ويكون: * (ولقد جاءهم من الانباء ما فيه مزدجر) * اعتراض بين المبتدأ وخبره.
* (ولقد جاءهم من الانباء) *: أي من الأخبار الواردة في القرآن في إهلاك من كذب الأنبياء وما يؤولون إليه في الآخرة، * (ما فيه مزدجر) *: أي ازدجار رادع لهم عن ما هم فيه، أو موضع ازدجار وارتداع، أي ذلك موضع ازدجار، أو مظنة له. وقرئ مزجر، بإبدال تاء الافتعال زايا وإدغام الزاي فيها. وقرأ زيد بن علي: مزجر اسم فاعل من أزجر، أي صار ذا زجر، كأعشب: أي صار ذا عشب. وقرأ الجمهور: * (حكمة بالغة) * برفعهما، وجوزوا أن تكون حكمة بدلا من مزدجر أو من ما، أو خبر مبتدأ محذوف، وتقدم قول من جعله خبرا عن كل في قراءة من قرأ مستقر بالجر. وقرأ اليماني: حكمة بالغة بالنصب فيهما حالا من ما، سواء كانت ما موصولة أم موصوفة تخصصت بالصفة، ووصفت الحكمة ببالغة لأنها تبلغ غيرها. * (فما تغنى النذر) * مع هؤلاء الكفرة.
ثم سلى رسوله صلى الله عليه وسلم) فقال: * (فتول عنهم) * أي أعرض عنهم، فإن الإنذار لا يجدي فيهم. ثم ذكر شيئا من أحوال الآخرة وما يؤولون إليه، إذ ذاك متعلق باقتراب الساعة، فقال: * (يوم يدعو * الداعى) *، والناصب ليوم اذكر مضمرة، قاله الرماني، أو يخرجون. وقال الحسن: المعنى: فتول عنهم إلى يوم، وهذا ضعيف من جهة اللفظ ومن جهة المعنى. أما من جهة اللفظ فحذف إلى، وأما من جهة المعنى فإن توليه عنهم ليس مغيا بيوم يدع الداع. وجوزوا أن يكون منصوبا بقوله: * (فما تغنى النذر) *، ويكون * (فتول عنهم) * اعتراضا، وأن يكون منصوبا بقوله: * (يقول الكافرون) *
(١٧٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 167 168 169 170 171 172 173 174 175 176 177 ... » »»