تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٨ - الصفحة ١٢
الجمهور: ستكتب، بالتاء من فوق مبنيا للمفعول. شهادتهم: بالرفع مفردا؛ والزبيري كذلك، إلا أنه بالياء؛ والحسن كذلك، إلا أنه بالتاء، وجمع شهادتهم؛ وابن عباس، وزيد بن علي، وأبو جفعر، وأبو حيوة، وابن أبي عبلة، والجحدري، والأعرج: بالنون مبنيا للفاعل، شهادتهم على الإفراد. وقرأ فرقة: سيكتب بالياء مبنيا للفاعل، أي الله؛ شهادتهم: بفتح التاء. والمعنى: أنه ستكتب شهادتهم على الملائكة بأنوثتهم. ويسألون: وهذا وعيد.
* (وقالوا لو شاء الرحمان ما عبدناهم) *: الضمير للملائكة. قال قتادة ومقاتل: في آخرين. وقال مجاهد: الأوثان علقوا انتفاء العبادة على المشيئة، لكن العبادة وجدت لما انتفت المشيئة، فالمعنى: أنه شاء العبادة، ووقع ما شاء، وقد جعلوا إمهال الله لهم وإحسانه إليهم، وهم يعبدون غيره، دليلا على أنه يرضى ذلك دينا. وتقدم الكلام على مثل هذه الجملة في أواخر الأنعام، وفي الكلام حذف، أي فنحن لا نؤاخذ بذلك، إذ هو وفق مشيئة الله، ولهذا قال: * (ما لهم بذلك من علم) *، أي بما ترتب على عبادتهم من العقاب، * (إن هم إلا يخرصون) *: أي يكذبون. وقيل: الإشارة بذلك إلى ادعائهم أن الملائكة إناث. وقال الزمخشري: هما كفرتان مضمومتان إلى الكفرات الثلاث، وهم: عبادتهم الملائكة من دون الله، وزعمهم أن عبادتهم بمشيئه، كما يقول إخوانهم المجبرة. انتهى. جعل أهل السنة أخوات للكفرة عباد الملائكة، ثم أورد سؤالا وجوابا جاريا على ما اختاره من مذهب الاعتزال، يوقف على ذلك في كتابه، ولما نفى عنهم، علم ترك عقابهم على عبادة غير الله، أي ليس يدل على ذلك عقل. نفى أيضا أن يدل على ذلك سمع، فقال: * (قل أرءيتم شركاءكم) * من قبل نزول القرآن، أو من قبل إنذار الرسل، يدل على تجويز عبادتهم غير الله، وأنه لا يترتب على ذلك. ثم أخبر تعالى أنهم في ذلك مقلدون لآبائهم، ولا دليل لهم من عقل ولا نقل. ومعنى: * (على أمة) *: أي طريقة ودين وعادة، فقد سلكنا مسلكهم، ونحن مهتدون في اتباع آثارهم؛ ومنه قول قيس بن الحطيم:
* كنا على أمة آبائنا * ويقتدى بالأول الآخر * وقرأ الجمهور: أمة، بضم الهمزة. وقال مجاهد، وقطرب: على ملة. وقال الجوهري: والأمة: الطريقة، والذي يقال: فلان لا أمة له: أي لا دين ولا نحلة. قال الشاعر:
* وهل يستوي ذو أمة وكفور وتقدم الكلام في أمة في قوله: * (وادكر بعد أمة) *. وقرأ عمر بن عبد العزيز، ومجاهد، وقتادة، والجحدري: بكسر الهمزة، وهي الطريقة الحسنة لغة في الأمة بالضم، قاله الجوهري. وقرأ ابن عباس: أمة، بفتح الهمزة، أي على قصد وحال، والخلاف في الحرف الثاني كهو في الأول. وحكى مقاتل: إن الآية نزلت في الوليد بن المغيرة، وأبي سفيان، وأبي جهل، وعتبة، وشيبة بن أبي ربيعة من قريش، أي كما قال من قبلهم أيضا، يسلي رسول الله صلى الله عليه وسلم) بذلك. والمترف: المنعم، أبطرتهم النعمة، فآثروا الشهوات، وكرهوا مشاق التكاليف. وقرأ الجمهور: قل على الأمر؛ وابن عامر وحفص: قال على الخبر. وقرأ الجمهور: جئتكم، بتاء المتكلم؛ وأبي جعفر، وشيبة، وابن مقسم، والزعفراني، وأبو شيخ الهنائي، وخالد: جئناكم، بنون المتكلمين. والظاهر أن الضمير في قال، أو في قل، للرسول، أي: قل يا محمد لقومك: أتتبعون آباءكم، ولو جئتكم بدين أهدى من الدين الذي وجدتم عليه آباءكم؟ وهذا تجهيل لهم، حيث يقلدون ولا ينظرون في الدلائل. * (قالوا إنا بما أرسلتم) *، أنت والرسل قبلك. غلب الخطاب على الغيبة. * (فانتقمنا منهم
(١٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 ... » »»