تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٧ - الصفحة ٤٢٤
نورا يوم القيامة، فيلبسه وجه الأرض، فتشرق الأرض به، وقال ابن عباس: النور هنا ليس من نور الشمس والقمر، بل هو نور يخلقه الله فيضيء الأرض. وروي أن الأرض يومئذ من فضة، والمعنى: أشرقت بنور خلقه الله تعالى، أضافه إليه إضافة الملك إلى الملك. وقال الزمخشري: استعار الله النور للحق، والقرآن والبرهان في مواضع من التنزيل، وهذا من ذلك. والمعنى: وأشرقت الأرض بما يقيمه فيها من الحق والعدل، وبسط من القسط في الحسنات، ووزن الحسنات والسيئات، وينادي عليه بأنه مستعار إضافته إلى اسمه، لأنه هو الحق العدل، وإضافة اسمه إلى الأرض، لأنه يزينها حين ينشر فيها عدله، وينصب فيها موازين قسطه، ويحكم بالحق بين أهلها، ولا ترى أزين للبقاع من العدل ولا أعمر لها منه، ويقولون للملك العادل: أشرقت الآفاق بعدلك وأضاءت الدنيا بقسطك، كما يقولون: أظلمت البلاد بجور فلان. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم): (الظلم ظلمات يوم القيامة)، وكما فتح الآية بإثبات العدل، ختمها بنفي الظلم.
* (ووضع الكتاب) *: أي صحائف الأعمال ووحد، لأنه اسم جنس، وكل أحد له كتاب على حدة، وأبعد من قال: الكتاب هنا اللوح المحفوظ. وروي ذلك عن ابن عباس، ولعله لا يصح، وقد ضعف بأن الآية سيقت مقام التهديد في سياق الخير. * (وجىء بالنبيين) * ليشهدوا على أممهم، * (والشهداء) *، قيل: جمع شاهد، وهم الذين يشهدون على الناس بأعمالهم. وقيل: هم الرسل من الأنبياء. وقيل: أمة محمد صلى الله عليه وسلم)، يشهدون للرسل. وقال عطاء، ومقاتل، وابن زيد: الحفظة. وقال ابن زيد أيضا: النبيون، والملائكة، وأمة محمد عليه السلام، والجوارح. وقال قتادة: الشهداء جمع شهيد، وليس فيه توعد، وهو مقصود الآية. * (وقضى بينهم) *: أي بين العالم، ولذلك قسموا بعد إلى قسمين: أهل النار وأهل الجنة، * (بالحق) *: أي بالعدل. * (ووفيت كل نفس) *: أي جوزيت مكملا. * (وهو أعلم بما يفعلون) *، فلا يحتاج إلى كاتب ولا شاهد، وفي ذلك وعيد وزيادة تهديد.
* (وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمرا حتى إذا جاءوها فتحت أبوابها وقال لهم خزنتها ألم يأتكم رسل منكم يتلون) *.
ولما ذكر أشياء من أحوال يوم القيامة على سبيل الإجمال، بين بعد كيفية أحوال الفريقين وما أفضى إليه كل واحد منهما فقال: * (وسيق) *، والسوق يقتضي الحث على المسير بعنف، وهو الغالب فيه. وجواب إذا: * (فتحت أبوابها) *، ودل ذلك على أنه لا يفتح إلا إذا جاءت؛ كسائر أبواب السجون، فإنها لا تزال مغلقة حتى يأتي أصحاب الجرائم الذين يسجنون فيها فيفتح ثم يغلق عليهم. وتقدم ذكر قراءة التخفيف والتشديد في فتحت وأبوابها سبعة، كما ذكر في سورة الحجر. * (وقال لهم خزنتها) *، على سبيل التقريع والتوبيخ، * (ألم يأتكم رسل منكم) *: أي من جنسكم، تفهمون ما ينبئونكم به، وسهل عليكم مراجعتهم. وقرأ ابن هرمز: تأتكم بتاء التأنيث؛ والجمهور: بالياء. * (يتلون عليكم ءايات ربكم) *: أي الكتب المنزلة للتبشير والنذارة، * (وينذرونكم لقاء يومكم هاذا) *: وهو يوم القيامة، وما يلقى فيه المسمى من العذاب، * (قالوا بلى) * أي قد جاءتنا، وتلوا وأنذروا، وهذا اعتراف بقيام الحجة عليهم، * (ولاكن حقت كلمة العذاب) * أي قوله تعالى: * (لاملان جهنم) *. * (على الكافرين) *: وضع الظاهر موضع المضمر، أي علينا، صرحوا بالوصف الموجب لهم العقاب.
ولما فرغت محاورتهم مع
(٤٢٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 419 420 421 422 423 424 425 426 427 428 429 ... » »»