تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٧ - الصفحة ٤٢٥
الملائكة، أمروا بدخول النار.
* (وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا) *: عبر عن الإسراع بهم إلى الجنة مكرمين بالسوق، والمسوق دوابهم، لأنهم لا يذهبون إليها إلا راكبين. ولمقابلة قسيمهم ساغ لفظ السوق، إذ لو لم يتقدم لفظ وسيق لعبر بأسرع، وإذا شرطية وجوابها قال الكوفيون: وفتحت، والواو زائدة؛ وقال غيره محذوف. قال الزمخشري: وإنما حذف لأنه في صفة ثواب أهل الجنة، فدل على أنه شيء لا يحيط به الوصف، وحق موقعه ما بعد خالدين. انتهى. وقدره المبرد بعد خالدين سعدوا. وقيل الجواب: * (وقال لهم خزنتها) *، على زيادة الواو، قيل: * (حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها) *. ومن جعل الجواب محذوفا، أو جعله: * (وقال لهم) *، على زيادة الواو؛ وجعل قوله: وفتحت جملة حالية، أي وقد فتحت أبوابها لقوله: * (جنات عدن مفتحة لهم الابواب) *. وناسب كونها حالا أن أبواب الأفراح تكون مفتحة لانتظار من تجيء إليها، بخلاف أبواب السجود. * (وقال لهم خزنتها سلام عليكم) *: يحتمل أن يكون تحية منهم عند ملاقاتهم، وأن كون خبرا بمعنى السلامة والأمن. * (طبتم) *: أي أعمالا ومعتقدا ومستقرا وجزاء. * (فادخلوها خالدين) *: أي مقدرين الخلود.
* (وقالوا) *، أي الداخلون، الجنة * (الحمد لله الذى صدقنا وعده وأورثنا الارض) *: أي ملكناها نتصرف فيها كما نشاء، تشبيها بحال الوارث وتصرفه فيما يرثه. وقيل: ورثوها من أهل النار، وهي أرض الجنة، ويبعد قول من قال هي أرض الدنيا، قاله قتادة وابن زيد والسدي. * (نتبوأ) * منها، * (حيث نشاء) *: أي نتخذ أمكنة ومساكن. والظاهر أن قوله: * (فنعم أجر العاملين) *: أي بطاعة الله هذا الأجر من كلام الداخلين. وقال مقاتل: هو من كلام الله تعالى. * (وترى الملائكة حافين) *: الخطاب للرسول حافين. قال الأخفش: واحدهم حاف. وقال الفراء: لا يفرد. وقيل: لأن الواحد لا يكون حافا، إذ الحفوف: الإحداق بالشيء من حول العرش. قال الأخفش: من زائدة، أي حافين حول العرش؛ وقيل: هي لابتداء الغاية. والظاهر عود الضمير من بينهم على الملائكة، إذ ثوابهم، وإن كانوا معصومين، يكون على حسب تفاضل مراتبهم. فذلك هو القضاء بينهم بالحق؛ وقيل: ضمير * (الحمد لله رب العالمين) *. الظاهر أن قائل ذلك هم من ذوات بينهم المخاطبة من الداخلين الجنة ومن خزنتها، ومن الملائكة الحافين حول العرش، إذ هم في نعم سرمدي منجاة من عذاب الله. وقال الزمخشري: المقضي بينهم، إما جميع العباد، وإما الملائكة، كأنه قيل: * (وقضى بينهم بالحق) *. وقالوا: * (الحمد لله رب العالمين) * على إفضاله وقضائه بيننا بالحق، وأنزل كل منا منزلته التي هي حقه. وقال ابن عطية: وقيل: * (الحمد لله رب العالمين) * خاتمة المجالس المجتمعات في العلم.
(٤٢٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 420 421 422 423 424 425 426 427 428 429 430 ... » »»