تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٧ - الصفحة ٤٢١
الأخفش: تأمروني ملغاة، وعنه أيضا: أفغير نصب بتأمروني لا بأعبد، لأن الصلة لا تعمل فيما قبلها، إذ الموصول منه حذف فرفع، كما في قوله:
ألا أيها ذا الزاجري احضر الوغى والصلة مع الموصول في موضع النصب بدلا منه، أي أفغير الله تأمرونني عبادته؟ والمعنى: أتأمرونني بعبادة غير الله؟ وقال الزمخشري: أو ينصب بما يدل عليه جملة قوله: * (تأمرونى أعبد) *، لأنه في معنى تعبدون وتقولون لي: اعبده، وأفغير الله تقولون لي اعبد، فكذلك أفغير الله تقولون لي أن اعبده، وأفغير الله تأمروني أن أعبد. والدليل على صحة هذا الوجه قراءات من قرأ أعبد بالنصب، يعني: بنصب الدال بإضمار أن. وقرأ الجمهور: تأمروني، بإدغام النون في نون الوقاية وسكون الياء؛ وفتحها ابن كثير. وقرأ ابن عامر: تأمرنني، بنونين على الأصل؛ ونافع: تأمرني، بنون واحدة مكسورة وفتح الياء. قال ابن عطية: وهذا على حذف النون الواحدة، وهي الموطئة لياء المتكلم، ولا يجوز حذف النون الأولى، وهو لحن، لأنها علامة رفع الفعل. انتهى. وفي المسألة خلاف، منهم من يقول: المحذوفة نون الرفع، ومنهم من يقول: نون الوقاية، وليس بلحن، لأن التركيب متفق عليه، والخلاف جرى في أيهما حذف، وختار أنها نون الرفع.
ولما كان الأمر بعبادة غير الله لا يصدر إلا من غبي جاهل، نادهم بالوصف المقتضي ذلك فقال: * (أيها الجاهلون) *. ولما كان الإشراك مستحيلا على من عصمه الله، وجب تأويل قوله: * (لئن أشركت) * أيها السامع، ومضى الخطاب على هذا التأويل. ويدل على هذا التأويل أنه ليس براجع الخطاب للرسول، إفرادا لخطاب في * (لئن أشركت) *، إذ لو كان هو المخاطب، لكان التركيب: لئن أشركتما، فيشمل ضمير هو ضمير الذين من قبله، ويغلب الخطاب. وقال الزمخشري: فإن قلت: المومى إليهم جماعة، فكيف قال: * (لئن أشركت) * على التوحيد؟ قلت معناه: لئن أوحى إليك، * (لئن أشركت ليحبطن عملك * وإلى الذين من قبلك * مثله) *، وأوحى إليك وإلى كل واحد منهم * (لئن أشركت) *، كما تقول: كسانا حلة، أي كل واحد منا. فإن قلت: كيف يصح هذا الكلام مع علم الله تعالى أن رسله لا يشركون ولا يحبط أعمالهم؟ قلت: هو على سبيل الفرض والمحالات يصح فرضها ثم ذكر كلاما يوقف عليه في كتابه. ويستدل بهذه الآية على حبوط عمل المرتد من صلاة وغيرها. وأوحى: مبني للمفعول، ويظهر أن الوحي هو هذه الجمل: من قوله: * (لئن أشركت * إلى من * الخاسرين) * وهذا لا يجوز على مذهب البصريين، لأن الجمل لا تكون فاعلة، فلا تقوم مقام الفاعل. وقال مقاتل: أوحى إليك بالتوحيد، والتوحيد محذوف. ثم قال: * (لئن أشركت ليحبطن عملك) *، والخطاب للنبي عليه السلام خاصة. انتهى. فيكون الذي أقيم مقام الفاعل هو الجار والمجرور، وهو إليك، وبالتوحيد فضلة يجوز حذفها لدلالة ما قبلها عليها. وقرأ الجمهور: * (ليحبطن) * مبنيا للفاعل، * (عملك) *: رفع به. وقرئ: ليحبطن بالياء، من أحبط عمله بالنصب، أي ليحبطن الله عملك، أو الإشراك عملك. وقرئ بالنون أي: لنحبطن عملك بالنصب، والجلالة منصوبة بقوله: فاعبد على حد قولهم: زيد فاضرب، وله تقرير في النحو وكيف دخلت هذه الفاء. وقال الفراء: إن شئت نصبه بفعل مضمر قبله، كأنه يقدر: اعبد الله فاعبده.
وقال الزمخشري: * (بل الله فاعبد) *، لما أمروه به من استلام بعض آلهتهم، كأنه قال: لا تعبد ما أمروك بعبادته، بل إن كنت عاقلا فاعبد الله، فحذف الشرط وجعل تقدم المفعول عوضا منه. انتهى. ولا يكون تقدم المفعول عوضا من الشرط لجواز أن يجيء: زيد فعمرا اضرب. فلو كان عوضا، لم يجز الجمع بينهما. * (وكن من الشاكرين) * لأنعمه التي أعظمها الهداية لدين الله. وقرأ عيسى: بل الله بالرفع، والجمهور: بالنصب. * (وما قدروا الله حق قدره) *: أي ما عرفوه حق معرفته، وما قدروه في أنفسهم حق تقديره، إذ أشركوا معه غيره، وساووا بينه وبين الحجر والخشب في العبادة. وقرأ الأعمش: حق قدره بفتح الدال؛ وقرأ الحسن، وعيسى، وأبو نوفل،
(٤٢١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 416 417 418 419 420 421 422 423 424 425 426 ... » »»