تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٧ - الصفحة ٤٢٢
وأبو حيوة: وما قدروا بتشديد الدال، حق قدره: بفتح الدال، أي ما عظموه حقيقة تعظيمه. والضمير في قدروا، قال ابن عباس: في كفار قريش، كانت هذه الآية كلها محاورة لهم وردا عليهم. وقيل: نزلت في قوم من اليهود تكلموا في صفات الله وجلاله، فألحدوا وجسموا وجاءوا بكل تخليط. وهذه الجملة مذكورة في الأنعام وفي الحج وهنا.
ولما أخبر أنهم ما عرفوه حق معرفته، نبههم على عظمته وجلاله شأنه على طريق التصوير والتخييل فقال: * (والارض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه) *. وقال الزمخشري: والغرض من هذا الكلام، إذا أخذته كما هو بجملته ومجموعة تصوير عظمته والتوقيف على كنه جلاله لا غير، من غير ذهاب بالقبضة ولا باليمين إلى جهة حقيقة أو جهة مجاز. انتهى. ويعني: أو جهة مجاز معين، والإخبار: التصوير، والتخييل هو من المجاز. وقال غيره: الأصل في الكلام حمله على حقيقته، فإن قام دليل منفصل على تعذر حمله عليها، تعين صرفه إلى المجاز. فلفظ القبضة واليمين حقيقة في الجارحة، والدليل العقلي قائم على امتناع ثبوت الأعضاء والجوارح لله تعالى، فوجب الحمل على المجاز، وذلك أنه يقال: فلان في قبضة فلان، إذا كان تحت تدبيره وتسخيره، ومنه: * (أو ما ملكت أيمانهم) *، فالمراد كونه مملوكا لهم، وهذه الدار في يد فلان، وقبض فلان كذا، وصار في قبضته، يريدون خلوص ملكه، وهذا كله مجاز مستفيض مستعمل. وقال ابن عطية: اليمين هنا والقبضة عبارة عن القدرة، وما اختلج في الصدر من غير ذلك باطل. وما ذهب إليه القاضي، يعني ابن الطيب، من أنها صفات زائدة على صفات الذات، قول ضعيف، ويحسب ما يختلج في النفوس التي لم يحصها العلم.
قال عز وجل: * (سبحانه وتعالى عما يشركون) *: أي منزه عن جميع الشبه التي لا تليق به. انتهى. وقال القفال: هذا كقول القائل: وما قدرني حق قدري، وأنا الذي فعلت كذا وكذا، أي لما عرفت أن حالي وصفتي هذا الذي ذكرت، وجب أن لا تخطىء عن قدري ومنزلتي، ونظيره: * (كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم) *، أي كيف تكفرون من هذه صفته وحال ملكه؟ فكذا هنا، * (وما قدروا الله حق قدره) *: أي زعموا أن له شركاء، وأنه لا يقدر على إحياء الموتى، مع أن الأرض والسماوات في قبضة قدرته. انتهى. * (والارض) *: أي والأرضون السبع، ولذلك أكد بقوله: * (جميعا) *، وعطف عليه * (* والسماوات) *، وهو جمع، والموضع موضع تفخيم، فهو مقتض المبالغة. والقبضة: المرة الواحدة من القبض، وبالضم: المقدار المقبوض بالكف، ويقال في المقدار: قبضته بالفتح، تسمية له بالقدر، فاحتمل هنا هذا المعنى. واحتمل أن يراد المصدر على حذف مضاف، أي ذوات قبضة، أي يقبضهن قبضة واحدة، فالأرضون مع سعتها وبسطتها لا يبلغن إلا قبضة كف، وانتصب جميعا على الحال. قال الحوفي: والعامل في الحال ما دل عليه قبضته انتهى. ولا يجوز أن يعمل فيه قبضته، سواء كان مصدرا، أم أريد به المقدار. وقال الزمخشري: ومع القصد إلى الجمع يعني في الأرض، وأنه أريد بها الجمع قال: وتأكيده بالجميع، أتبع الجميع مؤكدة قبل مجيء ذلك الخبر، ليعلم أول الأمر أن الخبر الذي يرد لا يقع عن أرض واحدة، ولكن عن الأراضي كلهن. انتهى. ولم يذكر العامل في الحال، ويوم القيامة معمول لقبضته. وقرأ الحسن: قبضته بالنصب. قال ابن خالويه: بتقدير في قبضته، هذا قول الكوفيين. وأما أهل البصرة فلا يجيزون ذلك، كما لا يقال: زيد دارا انتهى. وقال الزمخشري: جعلها ظرفا مشبها للوقت بالمبهم. وقرأ عيسى، والجحدري: مطويات بالنصب على الحال، وعطف والسماوات على الأرض، فهي داخلة في حيز والأرض، فالجميع قبضته. وقد استدل بهذه القراءة الأخفش على جواز: زيد قائما في الدار، إذ أعرب والسماوات مبتدأ، وبيمينه الخبر، وتقدمت الحال والمجرور، ولا حجة فيه، إذ يكون والسماوات معطوفا على والأرض، كما قلنا، وبيمينه متعلق بمطويات، ومطويات: من الطي الذي هو ضد النشر، كما قال تعالى: * (توعدون يوم نطوى السماء كطى السجل) *، للكتاب وعادة طاوي السجل أن يطويه
(٤٢٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 417 418 419 420 421 422 423 424 425 426 427 ... » »»