تدعون) * منصوب بالمقت الأول، لأن المقت مصدر، ومعموله من صلته، ولا يجوز أن يخبر عنه إلا بعد استيفائه صلته، وقد أخبر عنه بقوله: * (أكبر من مقتكم أنفسكم) *، وهذا من ظواهر علم النحو التي لا تكاد تخفي على المبتدئين، فضلا عمي تدعي العجم أنه في العربية شيخ العرب والعجم.
ولما كان الفصل بين المصدر ومعموله بالخبر، لا يجوز قدرنا العامل فيه مضمر، أي مقتكم إذ تدعون، وشبيهة قوله تعالى: * (إنه على رجعه لقادر * يوم تبلى السرائر) *. قدروا العامل برجعه * (يوم تبلى السرائر) * للفصل ب * (لقادر) * بين المصدر ويوم. واختلاف زماني المقتين الأول في الدنيا والآخرة هو قول مجاهد وقتادة وابن يد والآكثرين. * (* وتقدم) *، لنا أن منهم من قال في الآخرة، وهو قول الحسن. قال الزمخشري: وعن الحسن لما رأوا أعمالهم الخبيثة مقتوا أنفسهم فنودوا: * (ينادون لمقت الله) *. وقيل: معناه لمقت الله إياكم الآن أكبر من مقت بعضكم لبعض، كقوله تعالى: * (يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا) *، * (وإذ * تدعون) * تعليل. انتهى. وكان قوله: * (وإذ * تدعون) * تعليل من كلام الزمخشري. وقال قوم: إذ تدعون معمول، لا ذكر محذوفة، ويتجه ذلك على أن يكون مقت الله إياهم في الآخرة، على قول الحسن، قيل لهم ذلك توبيخا وتقريعا وتنبيها على ما فاتهم من الإيمان والثواب. ويحتمل أن يكون قوله: من مقت أنفسكم، أن كل واحد يمقت نفسه، أو أن بعضكم يمقت بعضا، كما قيل: إن الأتباع يمقتون الرؤساء لما ورطوهم فيه من الكفر، والرؤساء يمقتون الأتباع، وقيل: يمقتون أنفسهم حين قال لهم الشيطان: * (فلا تلومونى ولوموا أنفسكم) *، والمقت أشد البغض، وهو مستحيل في حق الله تعالى، فمعناه: الإنكار والزجر.
* (قالوا ربنا أمتنا اثنتين) *: وجه اتصال هذه بما قبلها أنهم كانوا ينكرون البعث، وعظم مقتهم أنفسهم هذا الإنكار، فلما مقتوا أنفسهم ورأوا حزنا طويلا رجعوا إلى الإقرار بالبعث، فأقروا أنه تعالى أماتهم اثنتين وأحياهم اثنتين تعظيما لقدرته وتوسلا إلى رضاه، ثم أطمعوا أنفسهم بالاعتراف بالذنوب أن يردوا إلى الدنيا، أي إن رجعنا إلى الدنيا ودعينا للإيمان بادرنا، إليه. وقال ابن عباس، وقتادة، والضحاك، وأبو مالك: موتهم كوبهم ماء في الأصلاب، ثم إحياؤهم في الدنيا، ثم موتهم فيها، ثم إحياؤهم يوم القيامة. وقال السدي: إحياؤهم في الدنيا، ثم إماتتهم فيها، ثم إحياؤهم في القبر لسؤال الملكين، ثم إماتتهم فيه، ثم إحياؤهم في الحشر. وقال ابن زيد: إحياؤهم نسما عند أخذ العهد عليهم من صلب آدم، ثم إماتتهم بعد، ثم إحياؤهم في الدنيا، ثم إماتتهم، ثم إحياؤهم، فعلى هذا والذي قبله تكون ثلاثة إحياآت، وهو خلاف القرآن. وقال محمد بن كعب: الكافر في الدنيا حي الجسد، ميت القلب، فاعتبرت الحالتان، ثم إماتتهم حقيقة، ثم إحياؤهم في البعث، وتقدم الكلام في أول البقرة على الإماتتين والإحياءين في قوله: * (كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا) * الآية، وكررنا ذلك هنا لبعد ما بين الموضعين. قال الزمخشري: فإن قلت: كيف صح أن يسمي خلقهم أمواتا إماتة؟ قلت: كما صح: سبحان من صغر جسم البعوضة وكبر جسم الفيل، وقولك للحفار ضيق فم، الركية ووسع أسفلها، وليس ثم نقل من كبر إلى صغر، ولا من صغر إلى كبر، ولا من ضيق إلى سعة، ولا من سعة إلى ضيق، وإنما أردت الإنشاء على تلك الصفات. والسبب في صحته أن الصغر والكبر جائزان معا على المصنوع الواحد من غير ترجيح لأحدهما، وكذلك الضيق والسعة، فإذا اختار الصانع أحد الجائزين، وهو متمكن منهما على السواء، فقد صرف المصنوع إلى الجائز الآخر، فجعل صرفه عنه كنقله منه. انتهى. يعني أن خلقهم أمواتا، كأنه نقل من الحياة وهو الجائز الآخر. وظاهر * (فاعترفنا بذنوبنا) * أنه متسبب عن قبولهم.
* (ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين * إذ تدعون إلى الإيمان فتكفرون * قالوا ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين فاعترفنا بذنوبنا) * السابقة من إنكار البعث وغيره. * (فهل إلى خروج) *: أي سريع أو بطيء من النار، * (من سبيل) *: وهذا سؤال من يئس من الخروج، ولكنه تعلل وتحير. * (ذالكم) *: الظاهر أن الخطاب للكفار في الآخرة،