سافر مع السفينة رافعا رأسه ليتنفس ويونس يسبح، ولم يفارقهم حتى انتهوا إلى البر، فلفظه سالما لم يتغير منه شيء، فأسلموا. والظاهر أن قوله للبث في بطنه إلى يوم البعث، وعن قتادة: لكان بطن الحوت له قبرا إلى يوم القيامة. وذكر في مدة لبثه في بطن الحوت أقوالا متكاذبة، ضربنا عن ذكرها صفحا. * (وهو سقيم) *: روي أنه عاد بدنه كبدن الصبي حين يولد، قاله ابن عباس والسدي. وقال ابن عباس، وأبو هريرة، وعمرو بن ميمون: اليقطين: القرع خاصة، قيل: وهي التي أنبتها الله عليه، وتجمع خصالا، برد الظل، ونعومة الملمس، وعظم الورق، والذباب لا يقربها. قيل: وماء ورقه إذا رش به مكان لم يقربه ذباب، وقال أمية بن أبي الصلت:
* فأنبت يقطينا عليه برحمة * من الله لولا الله ألفي ضياعيا * وفيما روي: إنك لتحب القرع، قال: أجل، هي شجرة أخي يونس. وقيل: هي شجرة الموز، تغطي بورقها، واستظل بأغصانها، وأفطر على ثمارها. ومعنى * (أنبتنا * عليه شجرة) *، في كلام العرب: ما كان على ساق من عود، فيحتمل أن يكون الله أنبتها ذات ساق يستظل بها وبورقها، خرقا للعادة، فنبت وصح وحسن وجهه، لأن ورق القرع أنفع شيء لمن ينسلخ جلده.
* (وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون) *، قال الجمهور: رسالته هذه هي الأولى التي أبق بعدها، ذكرها آخر القصص تنبيها على رسالته، ويدل عليه: * (فئامنوا فمتعناهم) *، وتمتيع تلك الأمة هو الذي أغضب يونس عليه السلام حتى أبق. وقال ابن عباس، وقتادة: هي رسالة أخرى بعد أن نبذه بالعراء، وهي إلى أهل نينوى من ناحية الموصل. وقال الزمخشري: المراد به ما سبق من إرساله إلى قومه، وهم أهل نينوى. وقيل: هو إرسال ثان بعد ما جري إليه إلى الأولين، أو إلى غيرهم. وقيل: أسلموا فسألوه أن يرجع إليهم فأبى، لأن النبي إذا هاجر عن قومه لم يرجع إليهم مقيما فيهم، فقال لهم: إن الله باعث إليكم نبيا. وقرأ الجمهور: * (أو) *، قال ابن عباس بمعنى بل. وقيل: بمعنى الواو وبالواو، وقرأ جعفر بن محمد. وقيل: للإبهام على المخاطب. وقال المبرد وكثير من البصريين: المعنى على نظر البشر، وحزرهم أن من وراءهم قال: هم مائة ألف أو يزيدون، وهذا القول لم يذكر الزمخشري غيره. قال: أو يزيدون في مرأى الناظر، إذا رآها الرائي قال: هي مائة ألف أو أكثر. والغرض الوصف بالكثرة، والزيادة ثلاثون ألفا، قاله ابن عباس؛ أو سبعون ألفا، قاله ابن جبير؛ أو عشرون ألفا، رواه أبي عن النبي صلى الله عليه وسلم)، وإذا صح بطل ما سواه.
* (فئامنوا) *: روي أنهم خرجوا بالأطفال والأولاد والبهائم، وفرقوا بينها وبين الأمهات، وناحوا وضجوا وأخلصوا، فرفع الله عنهم. والتمتع هنا هو بالحياة، والحين آجالهم السابقة في الأزل، قاله قتادة والسدي. والضمير في * (فاستفتهم) *، قال الزمخشري: معطوف على مثله في أول السورة، وإن تباعدت بينهما المسافة. أمر رسوله باستفتاء قريش عن وجه إنكار البعث أولا، ثم ساق الكلام موصولا بعضه ببعض، ثم أمر باستفتائهم عن وجه القسمة الضيزى. انتهى. ويبعد ما قاله من العطف.
وإذا كانوا عدوا الفصل بجملة مثل قولك: كل لحما واضرب زيدا وخبزا، من أقبح التركيب، فكيف بجمل كثيرة وقصص متباينة؟ فالقول بالعطف لا يجوز، والاستفتاء هنا سؤال على جهة التوبيخ والتقريع على قولهم البهتان على الله، حيث جعلوا لله الإناث في قولهم: الملائكة بنات الله، مع كراهتهم لهن، ووأدهم إياهن، واستنكافهم من ذكرهن. وارتكبوا ثلاثة أنواع من الكفر: التجسيم، لأن الولادة مختصة بالأجسام؛ وتفضيل أنفسهم، حيث نسبوا أرفع الجنسين لهم وغيره لله تعالى؛ واستهانتهم بمن هو مكرم عند الله، حيث أنثوهم، وهم الملائكة.
بدأ أولا بتوبيخهم على تفضيل أنفسهم بقوله: * (ألربك البنات) *، وعدل عن قوله: * (* ألربكم) *، لما في ترك الإضافة إليهم من تحسينهم وشرف نبيه بالإضافة إليه. وثنى بأن نسبة الأنوثة إلى الملائكة يقتضي المشاهدة