تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٧ - الصفحة ٣٣٠
* ألم ترياني كلما جئت طارقا * وجدت بها وإن تطيب طيبا * * أتجعل نهبي ونهب العبد * بين الأقرع وعيينة * وأنشد يوما: كفي بالإسلام والشيب ناهيا فقال أبو بكر وعمرو: نشهد أنك رسول الله إنما قال الشاعر: كفى الشيب والإسلام. وربما أنشد البيت متزنا في النادر. وروى عنه، أنشد بيت ابن رواحة:
* ببيت يجافي جنبه عن فراشه * إذا استثقلت بالمشركين المضاجع * ولا يدل غجراء البيت على لسانه متزنا أنه يعلم الشعر، وقد وقع في كلامه - عيه السلام - ما يدخله الوزن كقوله:
* أنا النبي لا كذب * انا ابن عبد المطلب * وكذلك قوله:
* هل أنت إلا أصبع دميت * وفي سبيل الله ما لقيت * وهو كلام من جنس كلامه الذي يتكلم به على طبيعته من غير صنعة فيه، ولا قصد لوزن، ولا تكلف. كما يوجد في القرآن شيء موزون، ولا يعد شعرا. كقوله تعالى: * (لن تنالوا البر حتى تنفقوا ما تحبون) * [آل عمران: 92] وقوله: * (فمن شاء ليؤمن وشاء فليكفر) * [الكهف: 29] وفي كثير من النثر الذي تنشئه الفصحاء. ولا يسمى ذلك شعرا، ولا يخطر ببال المنشي ولا السامع أنه شعر. (وما ينبغي له) أي: ولا يمكن له، ولا يصح، ولا يناسب، لأنه - عليه السلام - في طريق جد محض، والشعر أكثره في طريق هزل، وتحسين لما ليس حسنا، وتقبيح لما ليس قبيحا، ومغالاة مفرطة، جعله تعالى لا يقرض الشعر، كما جعله أميالا يخط، لتكون الحجة أثبت، والشبهة أدحض. وقيل: في هذه الآية دلالة على غضاضة الشعر وقد قال عليه السلام: ' ما أنا بشاعر ولا ينبغي لي '. وذهب قوم إلى أنه غضاضة فيه، وغنما منعه الله نبه - عليه الصلاة والسلام - وإن كان حلية جليلة ليجيء القرآن منقبله أغرب فإنه لو كان له إدراك الشعر لقيل في القرى ن هذا من تلك، القوة قال: ابن عطية: ' وليس الأمر عندي كذلك وقد كان - عليه السلام - من الفصاحة والبيان. في النثر في الرتبة العليا، ولكن كلام الله يبين بإعجازه، ويندر بوصفه، ويخرجه إحاطة علم الله عن كل كلام، وإنما منع الله نبيه من الشعر، ترفيعا له عن ما في قول الشعراء من التبخييل والتزويق للقول. وأما القرآن فهو ذكر بحقائق وبراهين، فما هو بقول شاعر. وهذا كان أسلوب كلامه - عليه السلام - قولا واحدا. انتهى. والضمير (له) للرسول. أي: وما ينبغي الشعر لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبعد من ذهب إلى أنه عائد على القرآن. أي: وما ينبغي الشعر للقرآن ولم يجر له ذكر، لكن له انيقول يدل الكلام عليه، ويبينه عود الضمير عليه في قوله (إن هو إلا ذكر وقرآن مبين) أ]: كتاب سماوي يقرأ في المحاريب، وينال
(٣٣٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 324 325 327 328 329 330 331 332 333 334 335 ... » »»