ذلك على سبيل الاستهزاء. وقال ابن عباس: ' كان بمكة زنادقة إذا أمروا بالصدقة، قالوا: لا والله أيفقره الله ونطعمه نحن، أو كانوا يسمعون المؤمنين يعلقون الأفعال بمشيئة الله لو شاء الله لأغني فلانا، ولو شاء لأعزه، ولو شاء لكان كذا فأخرجوا هذا الجواب مخرج الاستهزاء بالمؤمنين وبما كانوا يقولون. وقال القشيري: ' نزلت في قوم من الزنادقة لا يؤمنون بالصانع، استهزاء بالمسلمين بهذا القول. وقال الحسن: ' (وإذا قيل لهم): اليهود أمروا بإطعام الفقراء. وجواب (لو نشاء) قوله (أطعمهم) وورود الموجب بغير لام فصيح، ومنه (أن لو نشاء أصبناهم) * (لو نشاء جعلناه أجاجا) * [الواقعة 70] والأكثر مجيئة باللام. والتصريح بالموضعين من الكفر والإيمان، دليل على أن المقول لهم هم الكافرون. والقائل لهم هم المؤمنون وإن كل وصف حامل صاحبه على ما صدر منه إذ كل إناء بالذي فيه يرشح. وأمروا بالانفاق مما رزقكم الله، وهو عام في الإطعام وغيره فأجابوه بغاية المخالفة، لأن نفي إطعامهم يقتضي نفي الإنفاق العام، فكأنهم قالوا: لا ننفق ولا أقل الأشياء التي كانوا يسمحون بها، ويؤثرون بها على أنفسهم وهو الإطعام الذي به يفتخرون، وهذا على سبيل المبالغة، كمن يقول لشخص: أعط لزيد دينارا فيقول: لا أعطيه درهما. فهذا أبلغ من لا أعطيه دينارا. والظاهر: أن قوله (إن أنتم إلا في ضلال مبين) من تمام كلام الكفار يخاطبون المؤمنين. أي: حيث طلبتم أن تطعموا من لا يريد الله إطعامه إذ لو أراد الله إطعامه لأطعمه هو. ويجوز أن يكون من قول الله لهم. استأنف زجرهم به، أو من قول المؤمنين لهم، ثم حكى تعالى عنهم ما يقولون على سبيل الاستهزاء والتعجيل لما توعدون به. أي: متى يوم القيامة الذي أنتم توعدوننا به، أو متى هذا العذاب الذي تهددوننا به. وهو سبيل على سبيل الاستهزاء منهم لما أمروا بالتقوى ولا يتقي إلا مما يخاف وهم غير مؤمنين. سألوا متى يقع هذا الذي تخوفونا به استهزاء منهم. (ما ينظرون) أي: ما ينتظرون. ولما كانت هذه الصيحة لا بد من وقوعها جعلوا كأنهم منتظروها، وهذه هي النفخة الأولى، تأخذهم فيهلكون، وهم يتخاصمون. أي: في معاملاتهم وأسواقهم وفي أماكنهم من غير إمهال لتوصية ولا رجوع إلى أهل. وفي الحديث: ' تقوم الساعة والرجلان قد نشر أثوبهما يتبايعانه فما يطويانه حتى تقوم، والرجل يخفض ميزانه ويرفعه، والرجل يرفع أكلته إلى فيه فما تصل إلى حتى تقوم ' وقيل: (لا يرجعون) إلى أهلهم قولا. وقيل: ولا إلى أهلهم يرجعون أبدا. وقرأ أبي (يختصمون) على الأصل والحرميان وأبو عمرو والأعرج وشبل وابن فنطنطين بإدغام التاء في الصاد ونقل حركتها إلى الخاء، وأبو عمرو أيضا. وقالون يخالف بالاختلاس وتشديد الصاد. وعنهما إسكان الخاء وتخفيف الصاد من خصم. وباقي السبعة بكسر الخاء وشد الصاد. وفرقة بكسر الياء اتباعا لكسرة الخاء وشد الصاد. وقرأ ابن محيصن (يرجعون) بضم الياء وفتح الجيم، وقرأ الأعرج في (الصور) بفتح الواو. والجمهور بإسكانها. وقرئ (من الأجداف) بالفاء بدل الثاء، وقرأ الجمهور بالثاء و (ينسلون) بكسر السين. وابن أبي إسحاق وأبو عمرو بخلاف عنه يبضمها. وهذه النفخة هي الثانية التي يقوم الناس أحياء عنها، ولا تنافر بين (ينسلون) وبين * (فإذا هم قيام ينظرون) * [الزمر 68] لأنه لا ينسل إلا قائما، ولأن تفاوت الزمانين يجعله كأنه زمان واحد. وقرأ ابن أبي ليلى (يا ويلتنا) بتاء التأنيث. وعنه أيضا (يا ويلتي) بالتاء بعدها ألف بدل من ياء الإضافة ومعنى هذه القراءة: أن كل واحد منهم يقول يا ويلتي. والجمهور و (من بعثنا) (من) استفهام. و (بعث) فعل ماض. وعلي وابن عباس والضحاك وأبو نهيك (من) حرف جر و (بعثنا) مجرور به. و (المرقد) استعارة عن مضجع الميت. واحتمل أن يكون مصدرا. أي: من رقادنا وهو أجود. أو يكون مكانا، فيكون المفرد فيه يراد به الجمع، أي: من مراقدنا. وما روي عن أبي كعب ومجاهد وقتادة: ' من أن جميع البشر ينامون نومة قبل الحشر ' فقالوا: هو غير صحيح الإسناد. وقيل: قالوا (من مرقدنا) لأن عذاب
(٣٢٥)