تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٧ - الصفحة ٣٢٩
تقدير إلى حذفت، ووصل الفعل. والأصل: (فاستبقوا إلى صراط) أو مفعولا به على تضمين (استبقوا) معنى: ' تبادروا '. وجعله مسبوقا لا مسبوقا إليه الفعل إلا بوساطة في ' إلا في شذوذ، كما أنشد سيبوبة:
* لدن بهز الكف يعسل متنه * فيه كما عسل الطريق الثعلب * ومذهب بن الطراوة: ' أن الصراط والطريق، والمخرم وما أشبهها من الظروف المكانية ليست مختصة '. فعلى مذهبه يسوغ ما قاله الزمخشري. وقرأ عيسى (فاستبقوا) على الأمر، وهو على إضمار القول. أي: فيقال لهم: استبقوا الصراط وهذا على سبيل التعجيز، إذا لا يمكنهم الاستباق مع طمس الأعين (فإني يبصرون) أي: كيف يبصر من طمس على عينه، والظاهر: أن المسخ حقيقة، وهو تبديل صورهم شنيعة. قال ابن عباس: ' لمسخناهم قردة وخنازير كما تقدم في بني إسرائيل '. وقيل: حجارة. وقال الحسن وقتادة وجماعة: ' لأقعدناهم وأزمناهم فلا يستطعيون تصرفا '، والظاهر: أن هذا لو كان يكون في الدنيا. وقال ابن سلام: ' هذا التوعد كله يوم القيامة '، وقرأ الحسن (على مكانتهم) بالإفراد وهي المكان كالمقامة والمقام. وقرأ الجمهور، وأبو بكر، بالجمع. والجمهور (مضيا) بضم الميم. وأبو حيوة وأحمد بن جبير الأنطاكي، عن الكسائي بكسرها اتباعا لحركة الضااد كالعتبي والقتبي وزنه. فعول التقت واو ساكنة وياء فأبدلت الواو ياء وأدغمت في الياء وكسر ما قبلها لتصح الياء. وقرئ (مضيا) بفتح الميم، فيكون من المصادر التي جاءت على فعيل كالرسيم والوجيف. ولما ذكر تعالى الطمس والمسخ على تقدير المشبه، ذكر تعالى دليلا على باهر قدرته في تنكيس المعمر وأن ذلك لا يفعله إلا هو تعالى وتنكيسه قلبه وجعله على عكس ما خلقه أولا، وهو أنه خلقه على ضعف في جسد، وخلو من عقل وعلم، ثم جعله يتزايد وينتقل من حال إلى حال أن يبلغ أشده، وتستكمل قوته، ويعقل ويعلم ما له وما عليه. فإذا انتهى نكسه في الخلق، فيتناقص حتى يرجع في حال شبيهة بحال الصبا في ضعف جسده، وقلة عقله، وخلو من الفهم، كما ينكس السهم فيجعل أعلاه أسفله. وفي هذا كله دليل على أن من فعل هذه الأفاعيل قادر على أن يطمس، وأن يفعل بهم ما أراد. وقرأ الجمهور (ننكسه) مشددا. وعاصم وحمزة مخففا. وقرأ نافع وابن ذكوان، وأبو عمرو في رواية عباس (تعقلون) بتاء الخطاب. وباقي السبعة بياء الغيبة. (وما علمناه الشعر) الضمير في (علمناه) للرسول - صلى الله عليه وسلم - كانوا يقولون فيه شاعر. وروي أن القائل عقبة بن أبي معيط فنفى الله ضلك عنه، وقولهم فيه شاعر. أما من كان في طبعه الشعر، فقوله مكابرة وإيهام للجاهل بالشعر وأما من ليس في طبعه، فقوله جهل محض، وأين هو من الشعر؟ والشعر إنما هو كلام موزون مقفي يدل على معنى تنتخبه الشعراء من كثرة التخييل، وتزويق الكلام، وغير ذلك مما يتورع المتدين عن إنشاده فضلا عن إنشائه، وكان عليه السلام لا يقول الشعر وإذا أنشد بيتا أحرز المعنى دون وزنه كما أنشد:
* ستبدي بلك الأيام ما كنت جاهلا * ويأتيك من لم تزود بالأخبار * وقيل من أشعر الناس فقال الذي يقول:
(٣٢٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 323 324 325 327 328 329 330 331 332 333 334 ... » »»