تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٧ - الصفحة ٣٣٢
* ركبانة حلبانة زفوف * تخلط بين وبر وصوف * وأجمل المنافع هنا، وفصلها في قوله (وجعل لكم من جلود الأنعام) الآية والمشارب: جمع مشرب، وهو أما مصدر. أي: شرب أو موضع الشرب. ثم عنفهم واستجهلهم في اتخاذهم آلهة لطلب الاستنصار (لا يستطيعون) أي: الآلهة نصر متخذيهم. وهذا هو الظاهر لما اتخذوا آلهة للاستنصار بهم رد تعالى عليهم بأنهم ليس لهم قدرة على نصرهم. وقال ابن عطية: ' ويحتمل أن يكون الضمير في (يستطيعون) عائدا للكفار، وفي (نصرهم) للأصنام '. انتهى. والظاهر: أن الضمير في (هم) عائد على ما هو الظاهر في (لا يستطيعون) أي: والآلهة للكفار (جند محضرون) في الآخرة عند الحساب على جهة التوبيخ والنقمة. وسماهم جندا، إذا هم معدون للنقمة من عابديهم، وللتوبيخ. أو محضرون لعذابهم، لأنهم يجعلون وقودا للنار. قيل: ويجوز أن يكون الضمير في (وهم) عائدا على الكفار، وفي (لهم) عائدا على الأصنام. أي: وهم الأصنام (جند محضرون) متعصبون لهم، متحيرون، يذبون عنهم، يعني في الدنيا. ومع ذلك لا يستطيعون أي: الكفار التناصر. وههذا القول مركب على أن الضمير في (لا يستطيعون) للكفار. ثم آنس تعالى نبيه بقوله (فلا يحزنك قولهم) أي: لا يهمك تكذيبهم، وأذاهم، وجفاؤهم. وتوعد الكفار بقوله (إنا نعلم ما يسرون وما يعنلون) فنجازيهم على ذلك. (أو لم ير الإنسان) قبح تعالى إنكار الكفرة البعث حيث قرر أن عنصره الذي خلق منه هو مطفة ماء مهين، خارج من مخرج النجاسة، أفضى به مهانة أصله إلى أن يخاصم الباري تعالى، ويقول: من يحيى الميت بعد ما رم مع علمه أنه منشأ من موات. وقائل ذلك العاصي بن وائل، أو أمية بن خلف، أو أبي بن خلف. أقوال. أصحها أنه أبي بن خلف. رواه ابن وهب عن مالك، وقال ابن إسحاق وغيره. والقول: أنه أمية قاله مجاهد، وقتادة، ويحتمل أن كلا منهم واقع ذلك منه. وقد كان لأبي مع الرسول مراجعات ومقامات. ' جاء بالعظم الرميم بمكة ففتته في وجهه كريم وقال من يحيى هذا يا محمد؟ فقال: الله يحييه ويميتك ويحييك ويدخلك جهنم ' ثم نزلت الآية. وأبي هذا قتله رسول اله - صلى الله عليه وسلم - بيده يوم أحد بالرحبة، فخرجت من عنقه. ووهم من نسب غلى ابن عباس ان الجائي بالعظم هو عبد الله بن أبي ابن سلول، لأن السورة مكية بإجماع ولأن عبد الله بن أبي لم يهاجر قط هذه المهاجرة. وبين قوله (فإذا هو خصيم مبين) وبين (خلقناه من نطفة) جمل محذوفة تبين أكثرها في قوله في سورة المؤمنين * (ثم جعلناه نطفة في قرار مكين) * [المؤمنون: 13] وغنما أعتقب قوله (فإذا هو خصيم مبين) الوصف الذي ى ل إليه من التمييز، والإدراك الذي يتأتى معه الخصام. أي: فإذا هو بععدما كان نطفة، رجل مميز منطيق، قادر على الخصام، مبين معرب عما في نفسه. (وضرب لنا مثلا ونسي خلقه) أي: نشأته من النطفة فذهل عنها، (خلقه) أي نشأته, وسمي قوله (من يحيي العظام وهي رميم) لما دل عليه من قصة عجيبة شبيهة بالمثل، وهي إنكار قدرة الله على إحياء الموتى كما هم عاجزون عن ذلك. وقال الزمخشري: ' والرميم: اسم لما بلي من العظام غير صفة كالرمة والرفاة، فلا يقال لم لم يؤنث وقد وقع خبرا لمؤنث، ولا هو فعيل أو مفعول؟ انتهى. واستدل بقوله (قل يحييها) على أن الحياة تحلها. وهذا الاستدلال ظاهر ومن قال إن الحياة لا تحلها، قال المراد بغحياء العظام ردها إلى ما كانت عليه غضة رطبة في بدن حسن حساس. (وهو بكل خلق عليم) يعلم كيفيات ما يخلق لا يتعاظمه شيء من المنشآت والمعادات جنسا، ونوعا، دقة وجلالة. (الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا) ذكر ما هو أغرب من خلق الإنسان من النطفة وهو إبراز الشيء من ضده وذلك
(٣٣٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 327 328 329 330 331 332 333 334 335 336 337 ... » »»