تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٧ - الصفحة ٣٣١
بتلاوته، والعمل به، ما فيه فوز الدارين. فكم بينه وبين الشعر الذي أكثره من همزات الشياطين. وقرأ نافع وابن عامر (لتنذر) بتاء الخطاب للرسول. وباقي السبعة بالياء للغيبة، فاحتمل أن يعود على الرسول، واحتمل ا، يعود على القرآن. وقرأ اليماني (لينذر) بالياء مبنيا للمفعول، ونقلها ابن خالوية عن الجحدري، وقال عن أبي السمال واليماني: ' إنهما قرأ (لينذر) بفتح الياء والذال مضارع نذر بكسر الذال إذا علم بالشيء فاستعد له. (من كان حيا) أي: غافلا، قاله الضحاكى لأن الغافل كالميت ويريد به من حتم عليه بالإيمان، وكذلك قابله بقوله (ويحق القول) أي: كلمة العذاب على الكافرين المحتوم لهم بالموافاة على الكفر. * (أو لم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيديهم أنعاما فهم لها مالكون، وذللناها لهم فمنها ركوبهم ومنها يأكلون، ولهم فيها منافع ومشارب أفلا يشكرون، واتخذوا من دون الله آلهة لعلهم ينصرون، لا يستطعون نصرهم وهم لهم جند محضرون، فلا يحزنك قولهم إنا نعلم ما يسرون وما يعلنون، أو لم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيى العظام وهي رميم، قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم، الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا فإذا أنتم منه توقدون، أوليس الذي خلق السماوات وألرض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى وهو الخلاق العليم إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون، فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء وإليه ترجعون) *.
الإخبار وتنبيه الاستفهام لقريش وإعراضها عن عبادة الله، وعكوفها على عبادة الأصنام. ولما كانت الأشياء المصنوعة لا يباشرها إلا باليد عبر لهم بما يقرب من أفهامهم بقوله (مما عملت أيدينا) أي: مما تولينا عمله، ولا يمكن لغيرنا أن يعلمه، فبقدرتنا وإرادتنا برزت هذه الأشياء، لم يشركنا فيها أحد. والباري تعالى منزه عن اليد التي هي الجارحة وعن كل ما اقتضي التشبيه بالمحدثات. وذكر الأنعام لها، لأنها كانت جل أموالهم، ونبه على ما يجعل لهم من منافعها (لها مالكون) أي: ملكناها إياهم، فهم متصرفون فيها تصرف الملاك، مختصون بالانتفاع بها، أو (مالكون) ضابطون لها، قاهرونها. من قوله:
* أصبحت لا أحمل السلاح ولا * أملك رأس البعير إن نفرا * أي: لا أضبطه، وهو من جملة النعم الظاهرة فلولا تذليله تعالى إياها وتسخيره لم يقدر عليها، ألا ترى إلى ما ند منها ألا يكاد يقدر على رده، لذلك أمر بتسبيح الله راكبها، وشكره على هذه النعمة، بقوله: * (سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين) * [الزخرف: 13] وقرأ الجمهور (ركوبهم) وهو فعول بمعنى مفعول كالحضور والحلوب والقذوع وهو مما لا ينقاس. وقرأ أبي وعائشة (ركوبتهم) بالتاء وهي فعولة بمعنى مفعولة. وقال الزمخشري: ' وقيل: الركوبة جمع '. انتهى. ويعني اسم جمع، لأن فعولة، فينبغي أن يعتقد فيها أنها اسم مفرد لا جنع تكسير، ولا أسم جمع. أي: مركوبتهم، كالحلوبة بمعنى المحلوبة. وقرأ الحسن، وأبو البر هيثم، والأعمش (ركوبهم) بضم الراء وبغير تاء، وهو مصدر حذف مضافه. أي: ذو ركوبهم أو فحسن منافعها ركوبهم، فيحذف ذو، أو يحذف منافع. قال ابن خالوية: ' العرب تقول: ناقة ركوب حلوب. وركوبة حلوبة، وركباة حلباة، وركبوب حلبوب وركبى حلبى وركبوتا حلبوتا، كل ذلك محكي. وأنشد:
(٣٣١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 325 327 328 329 330 331 332 333 334 335 336 ... » »»