مفعول ويدل على الاجتماع. و (جميع) (محضرون) هنا على المعنى كما أفرد منتصر على اللفظ، وكلاهما بعد جميع يراعى فيه الفواصل. وجاءت هذه الجملة بعد ذكر للإهلاك تبيينا أنه تعالى ليس من أهله يترك بل بعد إهلاكهم جمع، وحساب، وثواب، وعقاب، ولذلك أعقب هذا بما يدل على الحشر من قوله (وآية لهم الأرض الميتة أحييناها) وما بعده من الآيات. وبدأ بالأرض، لأنه مستقرهم، حركة وسكونا، حياة وموتا. وموت الأرض: جدبها، وإحياؤها بالغيث. والضمير في (لهم) عائد على كفار قريش ومن يجري مجراهم في إنكار الحشر، و (أحييناهم) استئناف بيان لكون الأرض الميتة آية، وكذلك نسلخ. وقيل: (أحييناها) في موضع الحال، والعامل فيها (آية) بما فيها من معنى الإعلام ويكون (آية) خبرا مقدما و (الأرض الميتة) مبتدأ، فالنية بآية التأخير. والتقدير: والأرض الميتة آية لهم محياة، كقولك: قائم زيد مسرعا. أي: زيد قائم مسرعا. و (لهم) متعلق بآية لا صفة، وقال الزمخشري: ' ويجوز أن يوصف الأرض والليل بالفعل، لأنه أريد بهما الجنسان مطلقين لا أرض وليل بإحيائهما فعوملا معاملة النكرات في وصفها بالأفعال '. ونحوه:
* ولقد أمر على اللئيم يسبني * انتهى. وهذا هدم لما استقر عند أئمة النحو من أن النكرة لا تنعت إلا بالنكرة، والمعرفة لا تنعت إلا بالمعرفة. ولا دليل لمن ذهب إلى ذلك وأما يسبني فحال. أي: سابا لي. وقد تبع الزمخشري ابن مالك على ذلك في التسهيل من تأليف. وفي هذه الجمل تعدد نعم إحياؤها بحيث تصير مخضرة، تبهج النفس والعين، وإخراج الحب منها، حيث صار ما يعيشون به في المكان الذي هم فيه مستقرون لا في السماء ولا في الهواء، وجعل الحبات لأنهم أكلوا من الحب وربما تاقت النفس غلى النقلة فالأرض يوجد منها الحب، والشجر يوجد منه الثمر، وتفجير العيون يحصل به الاعتماد على تحصيل الزرع والثمر، ولو كان من السماء لم يدر أين يغرس ولا يقع المطر. وقرأ جناح بن حبيش (وفجرنا) بالتخفيف. والجمهور بالتشديد. ومن ثمره) بفتحتين. وطلحة وابن وثاب وحمزة والكسائي بضمتين. والأعمش بضم الثاء وسكون الميم. والضمير في (ثمره) عائد على الماء، قيل: لدلالة العيون عليه، ولكونه على حذف مضاف. أي: من ماء العيون. وقيل على النخيل واكتفى به للعلم في اشتراك الأعيان فيما علق به النخيل من أكل ثكره أو يراد من ثمر المذكور وهو الجنات كما قال الشاعر:
* فيها خطوط من سواد وبلق * كأنه في الجلد توليع البهق * فقيل له: كيف قلت بعيون كأنه والذي تقدم خطوط؟ فقال: أرت كان ذاك. وقيل: عائد إلى التفجير الدال عليه (وفجرنا) الآية أقرب مذكور. وعنى ب (ثمره) فوائده كما تقول ثمرة التجارة الربح. وقال الزمخشري: ' وأصله: من ثمرنا. كما قال (وجعلنا) (وفجرنا) فنقل الكلام من التكلم إلى الغيبة على طريق الالتفات. والمعنى: ليأكلوا مما خلقه الله من الثمر، ومما عملته أيديهم من الغرس، والسقي، والآبار، وغير ذلك من الأعمال إلى أن بلغ الثمر منتهاه. وبأن أكله يعني أن الثمر في نفسه فعل الله وخلقه. وفيه آثار من كد بني آدم. ويجوز أن تكون (ما) نافية على أن الثمر خلق الله ولم تعمله أيدي الناس، ولا يقدرون على خلقه. وقرأ الجمهور (وما علمته) بالضمير فإن كانت (ما) موصولة فالضمير عائد عليها وإن كانت نافية فالضمير عائد على الثمر. وقرأ طلحة وعيسى وحمزة والكسائي وأبو بكر بغير ضمير. مفعول (علمت) على التقديرين محذوفة. وجوز في هذه القراءة أن تكون (ما) مصدرية. أي: وعمل أيديهم. وهو مصدر أريد به المعمول فيعود إلى معنى الموصول. ولما عدد تعالى هذه النعم حض على الشكر فقال (أفلا تشكرون) ثم نزه تعالى نفسه عن كل ما يلحد به ملحد، أو يشرك به مشرك، فذكر إنشاء الزواج وهي الأنواع من جميع الأشياء مما تنبت الأرض من النخل والشجر والزرع